خالد بن حمد المالك
لا يمكن أن ننظر إلى مقتل ثلاثة من الشرطة الإسرائيلية عند جسر الملك حسين الذي يربط بين الأردن والضفة الغربية بإطلاق النار عليهم من مواطن أردني بمعزل عن جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين، أو أنه عمل فردي دون وجود خلفية له على نطاق أوسع، وهو شعورهم بالألم أمام حرب الإبادة في قطاع غزة، وتالياً في الضفة الغربية، مع احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، ورفضها قيام دولة للفلسطينيين على أراضيهم التي احتلتها عام 1967م وعاصمتها القدس.
* *
ولا يمكن قبول تفسير رئيس وزراء إسرائيل من أن الحادث ناشئ عن أيديولوجية قاتلة تحيط بإسرائيل، ويقودها محور الشر الإيراني، متجاهلاً الغليان الذي كان يشعر به منفذ إطلاق النار ماهر الجازي، بسبب ما يراه يومياً من قتلى بين المدنيين الفلسطينيين في حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل، وسط صمت العالم، وعدم تحركه لإجبار إسرائيل على إيقاف مجازرها بحق الفلسطينيين.
* *
ومن الغباء أن تتصور إسرائيل ومن يساندها، أنها مع كل ما فعلته في قطاع غزة، وما تفعله الآن في الضفة الغربية، يمكن أن تُسكت الفلسطينيين، وتُجبرهم على الاستسلام، وثم تطمئن إلى أنها أصبحت في حالة أمن وسلام، كما هي تصريحات رئيس وأعضاء حكومة إسرائيل المتعجرفة، وكما هو سُلوكها وتعاملها حتى مع الاحتجاجات المتصاعدة والمظاهرات المستمرة في مختلف دول العالم، بل وحتى داخل إسرائيل نفسها.
* *
إن تسليم السلطة في إسرائيل إلى عناصر متطرفة ومتهورة وإرهابية، وقول رئيس وزراء إسرائيل إن من يصفهم بالمجرمين، وبأنهم يريدون قتل الإسرائيليين جميعا، لن يقود إلى السلام، ولن يفضي إلى الاستقرار، وسيكون وجود هذه الحكومة بمثابة صانعة عدم الأمان بين الإسرائيليين، حتى وهذه الحكومة تقوم بتسليح كل الإسرائيليين لمواجهة الخطر الذي يلاحقهم ليل نهار كما تزعم.
* *
فحادث معبر جسر الملك حسين الذي قام به سائق الشاحنة التي كانت تحمل بضائع من الأردن إلى الضفة الغربية ليس النافذة الوحيدة للوصول إلى الإسرائيليين، والانتقام للقتلى الأبرياء بين الفلسطينيين، سواء داخل إسرائيل، أو على الحدود مع جيرانها، دون أن تقوى قوة لدى إسرائيل في مقاومة أو التصدي لحالات مفاجئة كتلك العملية التي حدثت دون استعداد من الأمن الإسرائيلي عند الجسر، فحدث ما حدث، ولا ضمانات بعدم تكراره في أكثر من موقع، وإيذاء الإسرائيليين، كما تؤذي إسرائيل الفلسطينيين.
* *
الحروب، واستمرار الاحتلال بالقوة، ورفض الحوار والتسويات، والاعتماد على غيرها في تكريس هذا الظلم والقهر لن يجلب لإسرائيل إلا الخوف، وعدم الأمان، وسيأتي اليوم الذي تكون فيه إسرائيل مجبرة للقبول بما هو مطروح الآن، لهذا فليس من مصلحتها أن تؤجل استحقاقات اليوم إلى الغد، مهما كانت لديها من القوة لقتل المزيد من الفلسطينيين، طالما أن الكفاح الفلسطيني المشروع سوف يستمر ويزداد ويبتكر كل يوم أسلوبا جديدا للاستمرار في النضال.
* *
إن مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا كبيرة في هذا الشأن، فإسرائيل حليفتها، وهي من تمدها بالسلاح، وتغض الطرف عن جرائمها، وتمنع صدور أي إدانة دولية ضد جرائمها، ومستعدة للدخول معها في حروبها إذا ما اقتضى الأمر، وهي إذاً تملك القدرة على فرض إرادتها على إسرائيل متى شاءت بشأن خيار الدولتين، بعيداً عن معسول الكلام للتبرؤ من المسؤولية، وإسكات أصحاب الحق بالوعود الزائفة.
* *
لقد آن الأوان ليكون مثل هذا الحادث واحداً من الدروس والعبر التي يجب أن توظفها إسرائيل ومن يدعمها جسراً للوصول إلى حلول سلمية ينهي الاحتلال الذي يجب أن يزول، والاستعمار الذي يجب أن ينتهي، والظلم الذي ينبغي عدم استمراره، والحقوق التي يفترض عدم تجاهلها، والإيمان بأن السلام لا يتحقق بالقوة العسكرية، وإنما من خلال التفاهمات التي تفضي إلى الحل العادل والمشروع.