علي الخزيم
= قيل تاريخيا بأن النظرة للمرأة بحُقَبٍ مضت كانت غير مقبولة ومُزرية أحياناً عند بعض المجتمعات السالفة؛ وروَت المُدوَّنات والقَصَص أن رجالاً كانوا يخجلون من الإعلان عن قدوم المولودات الإناث؛ بل رُوِي أن منهم من وأد الصغيرة تحت التراب؛ وإن كانت حالات معدودة غير أن لها أسبابها الشخصية الفردية وكذلك الاجتماعية المعاشة آنذاك.
= فمما يروى أن بعضهم إنما كان يستاء من مولودته الأنثى نظراً لتكوينها الخَلقي كأن تكون مشوهة أو معاقة بأحد أعضائها ونحو ذلك، وحالات تكون بسبب قلة ذات اليد من الفقر والفاقة فلم يكن أبوها يئدها إلَّا خشية من مآلات الحاجة فتتعرض للاستغلال والإيذاء والإهانة لا سيما إن هو مضى إلى آخرته ولم يكن لبناته راعٍ بعده وهذا طبعاً غير مبرر، وهنا قد يجوز استذكار أقوال بعض سفهاء التواصل الاجتماعي الآن حين (يهايط) أحدهم بقوله: إن فاز الفريق الكروي المنافس سَمُّونِي فلانة؛ كرواسب بداخله ممَّا وجده ببيئته من النظرة الدونية للمرأة.
= يشار إلى أن نبلاء كرام من قبائل العرب وأشرافِهم قبل الإسلام قد تصدوا لمثل تلك الحوادث الفردية وعملوا على نشر الوعي والتثقيف بما يُقنع من يفكر بذاك الإجراء لتصحيح أفكاره ومعتقده الخاطئ بحق فتاته، مثل زيد بن نُفيل؛ وصعصعة بن ناجِية جَد الفرزدق الذي افتخر بجده قائلاً:
(ومنَّا الذي أَحْيا الوَئيدَ وغَالِبٌ
وَعمرُو ومنَّا حاجِبٌ والأقَــارِعُ).
إلى جانب هذا فإن الروايات تزخر بأخبار ومواقف مَن تغنوا بحب بناتهم ونسائهم بحياتهم الطبيعية وأعطوهن قدرهن من الرعاية والحماية؛ أما العشاق والمتيمون فلهم بذلك حديث آخر.
= يقول الشاعر معن بن أوس وهو كما يقال (مِئنَاث) أي إن ذريته من الإناث:
(رأيتُ رجالًا يكرهونَ بناتِهُمْ
وفيهِنَّ لا تُكذَبُ نِساءٌ صوالِحُ).
فمن الإنصاف أن يسجل التاريخ للموروث الأدبي والشعراء قبل الإسلام ما كان من حب أكثرهم لبناتهم ونسائهم، وحَدبِهم عليهن وحرصهم على صيانة كرامتهن وأعراضهن، بعيداً عن مبالغات قد دُوّنت بهذا الشأن ربما كانت ضمن دائرة من يفتعلون تشويه الحضارة العربية.
= والعرب خير من أدركوا قيمة تربية الأم لبناتها وتنشئتهن النشأة الفاضلة باعتبارها قدوة ومعلمة لهن ولمن ينجبن من الذرية لتكوين مجتمع صالح راقٍ يتمتع بأعلى درجات الأخلاق الحميدة التي يعتز بها العرب منذ الأزل، وللشاعر الشامي شفيق جبري:
(فإذا طوَيتِ الدَّهرَ في تَقويمِهمْ
كَرُمَ البنونَ؛ فلَمْ يهُنْ أهْلُوكِ).
ومن الطرائف حول تقدير العربي لنسائه (ولعشيقته) أن أصحاباً لقيس بن الملوّح سألوه ـ على سبيل الدعابة ـ من أحقّ بالخلافة بنوا العبّاس أم بنوا هاشم؟ فأجابهم على الفور: ليلى!
= وبعد: فحين تتأمل كتابات ونظريات بعض المفكرين الغربيين ومن يُطلق عليهم عندهم رجال الدين من أقوال مشينة بحق المرأة مما يَحُط من قدرها وشأنها (وتأبى المروءة والذوق العام إيراد بعض أقوالهم بهذه الأسطر وإن كانت مدونة محفوظة) يتضح ما للعرب من سبق وأصالة وشيم تحفظ للابنة والحليلة والمرأة بصفة عامة مكانتها وكرامتها ورفع شأنها ببيتها وبين قومها.