هديل الحارثي
في ظل التوجه الطموح الذي تقوده المملكة العربية السعودية نحو تحسين جودة التعليم وتحديثه لمواكبة المعايير العالمية، جاء اعتماد نظام الفصول الثلاثة كبديل لنظام الفصلين التقليدي. هذا التحول الجذري كان يحمل في طياته آمالاً كبيرة وطموحات لتعزيز الأداء التعليمي وتحقيق نتائج إيجابية على مستوى الطلاب والمعلمين. ولكن بعد فترة من التطبيق، ظهرت تساؤلات حول مدى فعالية هذا النظام في تحقيق تلك الآمال، وسط انتقادات عديدة من مختلف الأطراف.
***
أحد أبرز الإشكاليات التي برزت مع تطبيق نظام الفصول الثلاثة هي: الفوضى الزمنية التي أحدثها في حياة الطلاب وأولياء الأمور. تقسم السنة الدراسية إلى ثلاثة فصول قصيرة متخللة بإجازات قصيرة، ما أدى إلى صعوبة التوفيق بين الحياة الدراسية والأنشطة اليومية، مثل الأنشطة اللا صفية أو حتى الدروس.
- ضيق الإجازات: لم تعد الفترات القصيرة بين الفصول الدراسية كافية لإعادة شحن طاقة الطلاب.
- تأثير نفسي وجسدي: التوتر المتزايد نتيجة قصر الإجازات زاد من مستويات الإجهاد، وأثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية للطلاب، الأمر الذي انعكس على أدائهم الأكاديمي.
***
على الرغم من النوايا الحسنة وراء اعتماد النظام الثلاثي، فإن التطبيق العملي لم يكن مثاليًا. فقد تحول النظام إلى عبء إضافي على كل من المعلمين والطلاب، بدلاً من أن يكون وسيلة لتطوير العملية التعليمية.
- ضغط الوقت: تقسيم الفصول إلى فترات قصيرة جعل من الصعب على المعلمين تغطية المناهج بشكل كافٍ، مما أثر على مستوى التحصيل العلمي للطلاب.
- الفهم السطحي: مع قصر الفترات الدراسية، بات من الصعب تحقيق فهم عميق للمواد، الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على جودة التعلم.
- تحديات التأقلم: الطلاب واجهوا صعوبة في التأقلم مع فترات الدراسة القصيرة والمتقطعة، مما أثر على تركيزهم واستيعابهم.
***
مع تزايد الشكاوى والانتقادات، أصبحت الحاجة ملحة إلى مراجعة شاملة لهذا النظام الجديد. يتطلب الأمر دراسات معمقة تشمل الطلاب، أولياء الأمور، المعلمين، وخبراء التعليم لتقييم أثر النظام ومدى ملاءمته للبيئة التعليمية السعودية.
- ضرورة الحوار: يجب أن يكون هناك حوار مفتوح مع كافة الأطراف المعنية لضمان اتخاذ قرارات تعزز التعليم بدلاً من إعاقته.
- مقارنة عالمية: من المهم النظر إلى النظم التعليمية الناجحة في العالم وتقييم مدى توافقها مع خصوصية النظام التعليمي في السعودية.
***
مع بروز دعوات متزايدة للعودة إلى نظام الفصلين التقليدي، يجدر التفكير بشكل عميق في مدى فعالية هذا الخيار.
- استقرار زمني: نظام الفصلين يوفر استقرارًا أكبر من حيث توزيع الجهد والوقت، مما يمنح المعلمين الفرصة لتغطية المناهج بشكل أفضل.
- التعلم المستمر: بالمقابل، يرى البعض أن نظام الفصول الثلاثة يفتح الباب أمام التعلم المستمر ويمنح المعلمين فرصة أكبر لتطوير مهاراتهم بشكل مستدام.
***
في نهاية المطاف، يبقى نظام الفصول الثلاثة محل جدل، ويحتاج إلى مزيد من التقييم والبحث. هل ستنجح وزارة التعليم في إصلاح النظام الحالي وتطبيقه بالشكل الأمثل؟ أم أن العودة إلى نظام الفصلين ستكون الخيار الأكثر حكمة لضمان بيئة تعليمية مستقرة؟
الوقت وحده كفيل بالإجابة عن هذه التساؤلات، ولكن ما هو واضح حتى الآن أن الحل الأمثل سيأتي من خلال الحوار الشفاف، التقييم المستمر، والالتزام بتحقيق أفضل مصلحة للطلاب والنظام التعليمي في المملكة.