عبدالوهاب الفايز
من الجوائز العالمية التي حصلت عليها المملكة في عدة مجالات، جائزة (الريادة للأنواع المهاجرة)، وهذه تمنح للدول التي ساهمت في دعم وقيادة مبادرة معالجة الصيد والأخذ والاتجار غير النظامي للأنواع المهاجرة من الطيور في منطقة جنوب غرب آسيا، للفترة من 2024 - 2026م.
وحصلت المملكة عليها، ممثلة بالمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، في الاجتماع الرابع عشر المنعقد في مدينة سمرقند في أوزباكستان من 12 - 17 فبراير 2024م، تحت شعار (الطبيعة لا تعرف الحدود)، وهذا الاجتماع يعد من أهم المحافل العالمية للتنوع الأحيائي.
والسؤال: ماذا عملنا حتى نحصل على هذه الجائزة؟
اتضح أن تطبيق الأنظمة والقوانين الجديدة التي تحمي الحياة الفطرية، وكذلك انشاء المحميّات الطبيعية ومساهمة الشركات الكبرى مثل أرامكو، والاهم: مبادرة السعوديين من عشاق الطبيعة والطيور لمساعدة ودعم الجهود الحكومية. كل هذا ساهم في ازدياد أعداد الطيور المهاجرة بين الشمال والجنوب. هذه الزيادة لفتت انتباه خبراء ومسؤولي المنظمات الدولية، هؤلاء عندما بحثوا في الامر وجدوا أن الجهود السعودية لحماية الطيور هي السبب. لذا، تقديرا لبلادنا تم منحها هذه الجائزة. وهذا التقدير الدولي لجهود القيادات الحكومية ولشركائهم من الشركات والأفراد تُسعدنا لأنها تعكس تطور الحس الانساني والحضاري للشعب السعودي، بالذات تجاه الطبيعة وتجاه كل الكائنات الفطرية التي خلقها الله لضرورة عمارة الأرض.
في سماء بلادنا، وخلال فصلي الربيع والخريف من كل عام، يعبر ما يقرب من 500 نوع من أسراب الطيور، وهناك أكثر من (500 مليون) طائر مهاجر سنويًّا تعبر سماء المملكة في طريق هجرتها ما بين مناطق تكاثرها في أوروبا وآسيا. وأشهر الطيور المهاجرة المهددة بالانقراض التي تمرُّ بالسعودية (القمري، والحبارى، والوروار الأوروبي، بلشون الليل، النحام الوردي والحمامة الخضراء). هذه الطيور تهاجر حول العالم سعياً وراء الغذاء والتكاثر، ولقضاء فصل الشتاء.. وتسلك طرقًا محددة، تمتد في الغالب بامتداد السواحل والجبال، وتتجنب الصحاري، كما أنها تمتاز بامتلاك أجنحة طويلة مدببة تساعدها في تقليل جهد الطيران لمسافات طويلة.
هذا التكاثر للطيور المهاجرة العابرة لأجوائنا جاء بعد الجهود العلمية والميدانية التي نفذها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية. طبقا لما جاء في تقارير المركز الاعلامية، هذه الجهود تضمنت:
1 - اجراء المسوحات الميدانية ومراقبة مسارات الهجرة لمختلف أنواع الطيور في المملكة ورفعها على خرائط رقمية.
2 - اعداد وتحديث قوائم الطيور في المملكة ومعرفة الحالة الوطنية لكل نوع.
3 - عقد ورش عمل مع جميع المختصين في الجامعات السعودية ومراكز الأبحاث، وبعض الخبرات الدولية لمعرفة الأنواع المسجلة الحديثة والأنواع واسعة الانتشار في المملكة وأيضاً المهددة بالانقراض.
4 - دراسة المناطق المحمية والمناطق الهامة للتنوع الأحيائي والمناطق الرطبة التي لم تتم دراستها بالتعاون مع الجامعات السعودية.
5 - حصر وتدوين الأنواع غير الأصيلة الغازية، ثم رفع التقارير والنتائج واقتراح الحلول.
6 - إنشاء قاعدة بيانات لتسجيل الأنواع وتوزيعها الجغرافي على خرائط مكانية رقمية، لتسهيل الوصول للمعلومة بعد توظيف التقنيات الحديثة.
7 - تركيب عوازل لخطوط الكهرباء ذات الجهد المتوسط في المناطق الواقعة على مسار هجرة الطيور.
8 - اتخاذ اجراءات لحماية الطيور المهاجرة من خطوط كهرباء الضغط العالي.
9 - تطوير خطة عمل وطنية لحماية الأنواع المتوطنة والمهددة بالانقراض وتنفيذ مخرجات هذه الخطط.
10 - أطلق المركز في عام 2020م (منصة فطري)، الإلكترونية التي ساعدت هواة الصيد على إصدار التراخيص والتصاريح للأنشطة المتعلقة بالكائنات الفطرية ومنتجاتها ومشتقاتها.
11 - طور المركز الصيد خلال ثلاثة مواسم من 2021 - 2023.
هذه الجهود هي ثمرة إعادة ترتيب أمور منظومة الحياة الفطرية، وتعكس قيمنا وأخلاقياتنا ومصالحنا الوطنية، وهي أيضا ثمرة لتنفيذ التزاماتنا بالمعاهدات وبالاتفاقيات الدولية المخصصة لحماية الأنواع المُهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات الفطرية. والاهم، هذه تؤكد أن بلادنا جادة في ممارسة دورها الريادي لدعم وتعزيز الجهود الإقليمية والدولية في حماية البيئة والمحافظة على التنوع الأحيائي.
بلادنا قدرها أن تكون رائدة ومحورية في المنطقة، فموقعها الاستراتيجي ما بين شرق أفريقيا وأوروبا وآسيا، كما أن موائلها الصحراوية عالية الخصوصية، وتتميّز باتساع مناطقها الساحلية مثل الجُزر، ومناطق المد والجزر، وهي مناطق تجذب وتدعم حياة أنواع عديدة من الطيور البحرية والساحلية.
الطيور المهاجرة التي تعبر بلادنا تصل منهكة، وغالبا تفقد نصف حجمها، وهنا تكون رحلتها في بلادنا محطة حاسمة في حياتها.
لهذه الأسباب.. العالم - بالذات العلماء والخبراء - يثمنون جهود بلادنا لان فيها خدمة للإنسانية. الأبحاث تشير إلى أن 21 % من المحميات في العالم دُمرت منذ القرن الثامن عشر، والتنوّع الأحيائي للمياه العذبة أدى إلى انخفاض حاد في أعداد الطيور المهاجرة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وحدهما، تشير التقديرات إلى انخفاض أعداد الطيور بحدود 3 مليارات منذ عام 1970م.
سابقا، هذه المؤشرات السلبية لسنا بعيدين عنها في المملكة، فأعداد الطيور تراجعت بعد إزالة أشجار المانغروف الساحلية في العقود الأخيرة. وشهدنا مظاهر سلبية مثل تدهور موائل الطيور المهاجرة، والرعي الجائر للنباتات المحلية، والإضرار بمناطق التغذية والمعيشة، والاسواء عدم ضبط الصيد.
وأول مؤشرات نجاح التجربة السعودية، نجدها في تركيزها على حماية وتنمية المحميات واستعادتها بسرعة.
وهنا نجدها فرصة لإبراز أهمية الشراكة الوطنية في هذا المشروع الوطني. بعد ترتيب أمور الحياة الفطرية وجدت المبادرات الوطنية فرصتها للنمو. وهنا نشير إلى دور شركة (أرامكو) الحيوي للمساهمة في حماية الموائل واستعادتها في المناطق التي تزاول فيها أعمالها.
الطيور المهاجرة وجدت في المناطق الآمنة المحيطة بمرافق الإنتاج والتخزين التابعة لأرامكو ملاذاتها الآمنة. المسؤولون في أرامكو لاحظوا أن النباتات والحيوانات والطيور المحلية تعيش في سلام في مرافقها. لذا أطلقت الشركة في السنوات الأخيرة سلسلة من البرامج المصممة لمراقبة هذه الموائل واستعادتها وإعادة تأهيلها. كما عملت على استعادة غابات المانغروف المحلية، التي لا تقتصر فوائدها على إيواء أعداد من الأسماك والروبيان والطيور فحسب، بل تسهم أيضا في عزل الكربون. كما تعمل الشركة لتطوير عدد من المبادرات المتعلقة بالمحميات، بما في ذلك تحديد المحميات الطبيعية في أرامكو وإعطائها الأولوية لاستعادتها وحمايتها. وخصصت أرامكو حتى الآن 14 منطقة لحماية التنوع الأحيائي، وتؤوي المناطق مجتمعة أكثر من 560 نوعًا مسجلاً من النباتات والحيوانات.
كل هذه الجهود العلمية والتنظيمية والتشاركية.. وضعت بلادنا على قائمة الدول التي توسع مساهماتها في خدمة الإنسانية.