نجلاء العتيبي
الطابور الصباحي الذي قد يبدو للبعض مجرد ترتيبٍ للصفوف، يحمل في طيَّاته رمزية أكبر بكثير؛ إنه يُمثِّل انسجام الفرد مع الجماعة، والتزامه بتقاليد وأعرافٍ تجعل من المجموعة قوة متحدة، فحين يقف الطلاب في صفوف منتظمة، يتعلَّمون ليس فقط احترام النظام، بل يتذوَّقون طعم الالتزام الذي يصبح فيما بعد جزءًا من شخصياتهم، هذه اللحظات الصباحية تُسهم في بناء علاقة أعمقَ بين الطالب والوقت، حيث يدرك من خلالها قيمة كل دقيقة يبدأ بها يومه.
أما الإذاعة الصباحية فهي ليست مجرد منصة لإلقاء الكلمات، بل هي جسرٌ يربط بين الفكر والوجدان، فالكلمات التي تُنطق كلَّ صباح تحمل معها رُؤى وأفكارًا تُحيي في الطالب وعيًا متجددًا، وتذكيرًا يوميًّا بأهمية الاستفادة من كل لحظة؛ إنها اللحظات التي يتجلَّى فيها الفن البشري في التواصل، حيث يُصبح الصوت المسموع مرآةً لآمال الطلاب وتطلُّعاتهم، ووسيلة لتشجيعهم على التفكير والتأمل. هي رسائلُ عميقةٌ تَعبُرُ إلى داخل النفوس، تَزرُعُ بذور التغيير الإيجابي، وتُنير العقول بنور الحكمة والمعرفة، فحين يُصغي الطلاب إلى الإذاعة يتعلَّمون أن كل فكرة، وكل كلمة، يُمكن أن تحمل قوة تغيير، وأن الاستماع بعنايةٍ هو بوابة لفهم أعمق للذات وللعالم من حولهم.
هذه الطقوس اليومية التي قد تبدو عادية للبعض، تحمل في جوهرها دعوة للحياة بتفانٍ ونظامٍ، يتشاركون فيه الأهداف والطموحات، ويتعلمون فيه أن الحياة ليست مجرد سلسلة من الأحداث، بل هي سلسلة من الاختيارات الواعية التي تُبنى على أساسٍ من القيم والمعرفة.
الطابور الصباحي ليس تجمُّعًا للطلاب والمعلمين، بل هو لوحة فنية ترسمها القلوب والأرواح، تبدأ المراسم بالنشيد الوطني، فترتفع الأصوات في انسجام رائع، تملأ الهواء بروح الانتماء والفخر، وقفة عزٍّ تشعر فيها بأنك مكوِّن أساسي من شيء أكبر، وأنك مرتبط بزملائك ومُعلِّميك برابط مقدس من الحب والولاء.
بعد النشيد، تبدأ فقرات الطابور الأخرى: قراءة القرآن الكريم، ثم أحاديث تحفيزية، وأخبار المدرسة. في تلك الأوقات، نشعر بأن كلَّ كلمة تُلقى علينا تحمل رسالة، وكل خبر يُعلن هو جزء من حياتنا المدرسية اليومية، تنتقل كلمات الحاضر والمستقبل تبني فينا الأمل والتفاؤل.
الطابور الصباحي ليس فقط مكانًا للانضباط والنظام، بل هو لحظةٌ للتواصل الإنساني، تجد في تلك الدقائق الصغيرة دفء العلاقات بين الأصدقاء، وحرارة الاحترام بين الطلاب والمعلمين، تقف مع زملائك بجانب بعضكم البعض، تشعر بتلك الوحدة التي تمنحك القوة والثقة؛ لتواجه يومك الدراسي بكل حماسٍ.
وفي النهاية، حين ينتهي الطابور، وتبدأ الحصص، تكون قد حصلت على جرعة من الطاقة الإيجابية والإلهام، تلك الأوقات البسيطة في الطابور الصباحي تظلُّ ذكراها محفورة في الذاكرة، تُذكِّرنا دائمًا أن البدايات الجميلة هي ما تصنع الأيام الرائعة.
الطابور الصباحي والإذاعة المدرسية جزءٌ من بناء الذات الإنسانية، حيث يتعلَّم الطلاب من خلالها أن الانضباط ليس مجرد قانونٍ، بل هو فنٌّ يعيشونه يوميًّا، الإذاعة بدورها تُعطيهم مساحة للتفكير، وتُشجِّعهم على التفاعل مع الأفكار بعمقٍ؛ ما يجعل هذه الطقوس الصباحية أساسًا لحياة مفعمة بالوعي والهدف.
ضــوء
«مَعَ الصَّبَاحِ الْمُشْرِقِ
بِكُلِّ أُخْتٍ أَلْتَقِي
عَلَى رِحَابِ الْمَدْرَسَةْ
وَالرَّوْضَةِ الْمُحَبَّبَةْ
فَتُفْتَحُ الْفُصُولُ
وَيَبْدَأُ الدُّخُولُ
وَنَبْتَدِئ بِأَدَبِ
بِالدَّرْسِ بَعْدَ اللَّعِبِ».
«من كتاب الأناشيد والمحفوظات».