م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - الدافع لكتابة السيرة هو الإحساس بالتاريخ.. وتعجب من أن عمالقة التاريخ الإنساني لم يُكْتب تاريخهم مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو.. فمن يعرف عن حياتهم شيئاً.. كل ما يُعْرف عنهم هو فلسفتهم وفكرهم وليس سيرتهم.. وكذلك الحال مع بقية قدامى العظماء من مفكرين وشعراء وساسة وقواد.. ويفسر الدكتور حسان عباس ذلك بأن وعي الإغريق بالتاريخ كان ضعيفاً.. بخلاف المصريين الذين نقشوا تاريخهم على ورق البردى وعلى حجارة الجرانيت وجدران أهرامات خلدها الزمان آلاف السنين.. بينما الإغريق خلدوا آلهتهم وأساطيرهم في تماثيل هائلة.. هذا كل ما في الأمر.. بمعنى أن الإحساس بالتاريخ هو الأب المنجب للسيرة.
2 - هناك من ينكر أن السيرة جزء من التاريخ ومن هؤلاء (تونبي).. حيث يرى أن حدود السيرة الذاتية هي الأحداث البيولوجية الواقعة بين ولادة الشخص وموته.. فهي تصوير للوجود الحيواني للشخص وترتبط بمشاعره وعواطفه.. وهذا ليس تأريخاً وإن اشتبكت بعض مقاطعها مع التاريخ حسب أهمية الشخص وقيمته في الحياة الاجتماعية.. وهناك آخرون يرون أن التاريخ ما هو إلا مجموعة من السير.
3 - من وجهة النظر الشخصية أرى أن تدوين السير والتراجم هو العمود الفقري للكتابة التاريخية المعاصرة.. لكنه اختلف اليوم شكلاً ومضموناً وصياغة وموضوعاً.. فقد صار بطل السيرة ظاهرة اجتماعية لا بطلاً خارقاً.. وبالتالي فقد تم كتابة سيرته على شكل قصصي إبداعي جذاب.. هذا الأسلوب نقل كتابة السير من التقريرية المباشرة المعتادة إلى أجواء الإبداع السردي الجميل.
4 - حديث الذات هو الذي أطلق ثقافة السيرة الذاتية.. وبدأت بشكلها المنظم في القرن الثامن عشر.. وهي ذات الفترة التي شهدت ميلاد الرواية بمفهومها العصري.
5 - يعزو كثير من الدارسين ظهور السيرة الذاتية في التراث الأدبي العربي إلى عدة عوامل منها اتصال العرب بالثقافات الأخرى.. وتعدد الفرق الدينية والدول الإسلامية.. وظهور علم الرجال.. وتنافس العلماء.. والوعي بأهمية توثيق السيرة حتى يحفظه التاريخ.
6 - في تاريخ الأدب الإنساني مقاربات للسير الذاتية المعاصرة في أجزاء.. وهي في الغالب تأتي على شكل نصيحة للآخرين للاعتبار.. فيها اعترافات تصدر من نفس تعاني من تأنيب الضمير وإحساس عالٍ بالذنب واقتراف الخطيئة.
7 - السيرة الغيرية أقدم من السيرة الذاتية.. فالأخيرة أول ما عرفت بهذا الاسم كان من خلال معجم أكسفورد الذي نشر عام (1809م).
8 - السيرة بشكلها المطلق هي تأريخ سواء للفرد ذاته أو للغير منذ الولادة حتى الوفاة أو السنة التي كتبت فيها السيرة.. أو التأريخ لقضية محددة في مرحلة محددة.. ويرى بعض المفكرين كالدكتور إحسان عباس أن السيرة ترتبط بالتاريخ متى ما تعرضت السيرة للفرد في نطاق المجتمع.. وأعماله متصلة بالأحداث العامة أو منعكسة منها أو متأثرة بها.. فهنا تحقق السيرة غاية تاريخية.. أما إذا تم اجتزاء الفرد وفصله عن مجتمعه وجعله الحقيقة الوحيدة.. والنظر إلى كل ما يصدر عنه نظرة مستقلة.. فهنا تكون صلتها بالتاريخ ضعيفة إن لم تكن منقطعة.
9 - كل شيء في الحياة يمكن فك الارتباط به إلا الزمن.. فهو نهر الحياة الجاري الذي لا يتوقف أبداً.. تبدأ الحياة في لحظة منه وتتوقف في لحظة أخرى.. وهو لا يزال جارياً لا يتوقف لأحد مطلقاً.. إنه يجر كل شيء معه من شجر أو حجر أو بشر.. فالزمن عنصر مهم جداً في كتابة السيرة الذاتية.. ويُظْهر التحولات في شخصية بطل السيرة وتأثيره على الروح والجسد.. وتترتب وفقه الأحداث المتوالية.. ثم إن كتابة السير الذاتية هي استرجاع للذاكرة في الدرجة الأولى.. والذاكرة هي تسجيل لحوادث الزمان.. لا أقل ولا أكثر.
10 - إذا كان التاريخ حديث الناس عن الناس.. فإن السير الذاتية هي حديث الناس عن أنفسهم.