سطام بن عبدالله آل سعد
في عالم يتسم بالتغير السريع والتحديات المتزايدة، أصبح من الضروري استغلال كل مورد بشري يمتلك قيمة مضافة لتحقيق التنمية المستدامة، وبينما تُركز المؤسسات الحكومية والخاصة في المملكة جهودها على التطوير والابتكار، غالبًا ما يتم إغفال قوة هائلة متاحة يمكن أن تسهم في تحسين الأداء وتحقيق الأهداف: المتقاعدون. هذه الفئة، التي تراكمت لديها خبرات واسعة على مدى عقود، تمثل كنزًا استراتيجيًا غير مستغل حتى الآن. فما الذي يمكن أن يحدث إذا تم توجيه هذه الخبرات نحو تحسين كفاءة المؤسسات ودعم رؤى التنمية الوطنية؟
المتقاعدون، سواء من القطاع الحكومي أو الخاص، لديهم خبرات إدارية وعملية عميقة تشمل مجالات مختلفة كالإدارة، والتمويل، والهياكل التنظيمية، والخطط الاستراتيجية. وتمتد أهمية هذه الخبرات إلى قدرتهم على فهم التحديات التي تواجه المؤسسات وتقديم حلول مبتكرة لمعالجتها. فعلى سبيل المثال، يمكن للمتقاعدين تقديم رؤى حول كيفية إعادة هيكلة العمليات المؤسسية لتصبح أكثر كفاءة، أو تطوير استراتيجيات لإدارة المخاطر وتقليل الفاقد المالي.
فبدلاً من الاعتماد على الشركات الاستشارية الأجنبية التي غالبًا ما تفرض تكاليف باهظة، يمكن للمؤسسات أن تستفيد من خبرات المتقاعدين المحليين. هؤلاء الأفراد يمتلكون معرفة عميقة ببيئة العمل المحلية، مما يمكنهم من تقديم حلول مخصصة تتناسب مع احتياجات المؤسسات الوطنية. وبهذا يتم تحقيق الاستدامة في تحسين الأداء المؤسسي مع تقليل التكاليف.
ولتحقيق هذا الهدف، يمكن تنفيذ عدة خطوات عملية تساهم في الاستفادة من خبرات المتقاعدين.
أولاً، إنشاء جمعية استشارية للمتقاعدين تحت مظلة وزارة التنمية والموارد البشرية، تكون مهمتها الأساسية جمع بيانات المتقاعدين، بما في ذلك مؤهلاتهم وخبراتهم السابقة، وتقديمهم كمستشارين للشركات والمؤسسات. هذه الجمعية يمكن أن تكون منصة لتوجيه الخبرات نحو المؤسسات التي تحتاجها، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص.
ثانيًا، تطوير برنامج لإعادة تأهيل المتقاعدين وإعدادهم للعمل كمستشارين. هذا البرنامج يمكن أن يشمل تدريبًا على الاستشارات وتحديث المهارات الإدارية والتقنية بما يتناسب مع احتياجات السوق الحالية. هذا سيضمن أن المتقاعدين ليسوا فقط مصادر للخبرة التقليدية، بل قادرون على مواكبة التطورات التكنولوجية والإدارية الحديثة.
لا تقتصر الفوائد المحتملة على تحسين الأداء المؤسسي فقط. بل يمكن أن يمتد التأثير ليشمل تحسين الاقتصاد الوطني من خلال تعزيز الكفاءات الداخلية للمؤسسات وتقليل الاعتماد على الخبرات الخارجية. كما أن دمج المتقاعدين في سوق العمل كمستشارين يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي من خلال تمكينهم من الشعور بالانتماء والمساهمة المستمرة في تنمية المجتمع.
أخيراً، وفي ظل طموحات المملكة الكبيرة لتحقيق أهداف رؤية 2030، لا يمكننا تجاهل الثروات البشرية التي تمتلكها البلاد. فالمتقاعدون، بخبراتهم ومعرفتهم المتعمقة، والشباب الذي يمتلك طاقة وحماساً للتطوير والابتكار، يشكلون معاً مزيجًا قويًا يجمع بين الخبرات المتراكمة والرؤى الطموحة. هذا التعاون يرفع من قدرات المؤسسات ويخلق قاعدة صلبة للنمو المستدام. من خلال هذا التكامل بين الأجيال، يمكن للمملكة تحويل المتقاعدين إلى قوة دافعة للتغيير، تعزز من قدرة المؤسسات على مواجهة التحديات المستقبلية وتبني مستقبلًا مشرقًا ومستدامًا.
**
- مستشار التنمية المستدامة