خالد بن حمد المالك
تمثل الصين قوة اقتصادية وعسكرية لا يستهان بها، بل هي الثانية على مستوى العالم اقتصاديا، ولا غنى عنها للمملكة في إقامة علاقات دولية معها، كما أن غياب أي دولة عن التعاون معها، تفريط في المصالح، وعدم استثمار للفرص، خاصة حين يُبنى ذلك على المصالح المشتركة، وما يفيد البلدين، ضمن قواعد التعامل والسياسات لكل دولة من الدول.
* *
والمملكة تنبهت لهذا، وأدركت بأن لها مصالح كثيرة بتنمية العلاقات الثنائية مع الصين، فكانت الزيارات المتبادلة بين الجانبين في مختلف المستويات العليا، وتمخض عنها تشكيل اللجنة السعودية - الصينية المشتركة رفيعة المستوى، ليكون التنظيم لهذه العلاقة ومساراتها وفق أسس وتخطيط سليم يضمن استمرارها.
* *
وها هي الدورة الرابعة للجنة تنعقد بالرياض برئاسة ولي العهد ورئيس مجلس الدولة الصيني لتؤكد أن المشاركة مستمرة، وأن العلاقات بين الدولتين منذ توقيع خادم الحرمين الشريفين والرئيس الصيني اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وهي في تطور مستمر ونمو دائم، وأن امتدادها جاء منذ توقيع سمو ولي العهد على إنشاء لجنة مشتركة سعودية - صينية رفيعة المستوى، يستضيف البلدان أعمالها بالتناوب.
* *
ومن المؤكد الذي لا يحتاج إلى تأكيد، أن زيارة سمو ولي العهد للصين عام 2019م أسهمت في توطيد هذه العلاقات، حيث ترأس سموه الجانب السعودي في أعمال الدورة الثالثة للجنة السعودية - الصينية المشتركة، تم فيها استعراض العلاقات في ضوء رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام و الطريق الصينية، والتوقيع على 12 مذكرة واتفاقية تفاهم بين البلدين.
* *
أهمية اللجنة المشتركة أن ولي العهد هو من يرأس الجانب السعودي، فيما يرأس الجانب الصيني نائب رئيس مجلس الدولة، ومن ملفاتها: بذل الجهد لتوثيق التعاون في الشأن السياسي والأمني، وتطوير العلاقات بين البلدين في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والثقافة والتقنية.
* *
ويأتي حرص المملكة على توطيد علاقاتها الثنائية مع الصين في سياق توجهها الاستراتيجي لتوثيق شراكاتها مع جميع الدول والقوى العالمية المؤثرة، والمحافظة على علاقات متوازنة معها، بما يخدم أهداف المملكة، ويسهم في حماية مصالحها بعيداً عن حصر علاقاتها في عدد محدود من الدول المؤثرة.
* *
وقد لاحظنا كيف أسهمت العلاقة مع الصين - وهذه من حسناتها - برعايتها لاتفاق بكين الخاص بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما، واستمرار جهدها في متابعة تطبيق ما تم الاتفاق عليه بين البلدين.
* *
وهناك تعاون مع الصين في المجال العسكري والدفاعي في إطار الشراكة الاستراتيجية الدفاعية، كما تطورت العلاقات التجارية والاستثمارية، وأصبحت الصين أحد أكبر الدول المستثمرة بالمملكة، فقد ضخت استثمارات بقيمة بلغت 16.8 مليار دولار عام 2023م مقابل 1.5 دولار في العام 2022م، فيما وصلت الاستثمارات السعودية في الصين إلى 76 مليار ريال.
* *
وإلى جانب دعم الصين لمبادرة (الشرق الأوسط الأخضر) التي أطلقها ولي العهد، فهناك تعاون في مجال التعليم، بإدراج المملكة اللغة الصينية ضمن مناهجها، حيث استقطبت معلمين صينيين لتدريسها، وابتعث عدد من المعلمين السعوديين إلى الصين للحصول على درجة الماجستير في تدريس اللغة الصينية.
* *
ولا يتوقف التعاون مع الصين على ذلك، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 97 مليار دولار في عام 2023م، وبذلك فإن الصين تحتل المركز الأول في قائمة الشركاء التجاريين للمملكة منذ عام 2014م، ولا يزال التبادل التجاري بين البلدين في نمو مستمر.
* *
مرة أخرى، الصين دولة لا غنى عن التعاون معها، ومن المهم إيجاد نوافذ لشراكات في كل مجال تتميز فيه، وقد فعَّلت المملكة ما كرس العلاقة بين البلدين ووجهها نحو هذا التعاون المثمر الذي تنظمه وتقوده اللجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى.