عايض بن خالد المطيري
في الزمن الماضي الجميل، كان للمعلم مكانة رفيعة في المجتمع، حيث حظي بالاحترام والتقدير من الجميع. كان التلاميذ يهابون المعلم ويقيمون له وزنا، وينظرون إليه كرمز للعلم والمعرفة والأخلاق، وكان دوره لا يقتصر على نقل المعرفة فقط، بل يعد دوره غرس القيم والمبادئ في نفوس الأجيال.
لم يكن المعلم مجرد موظف، بل كان قائدًا ومربيًا، يُنظر إليه كقدوة في كل شيء، وحظي بتقدير اجتماعي يعكس مدى أهمية رسالته.
لكن الواقع المرير اليوم يبدو أن هذه الصورة قد تغيرت وتحولت بشكل كبير.
المعلم الذي كان يومًا مصدرًا للفخر أصبح الآن مهمشًا، ويتم التقليل من شأنه بشكل ملحوظ.
ليس فقط من قبل المجتمع، بل حتى من قبل بعض من تعلموا على يده وتخرجوا بفضل الله ثم بفضل جهوده.
بات المعلم يجد نفسه في مواجهة قلة احترام من تلاميذه، وحتى في المناسبات الاجتماعية والرسمية، يتم التعامل معه كأنه شخص عادي من عامة الناس، بينما يُستقبل الأطباء والمهندسون والضباط بحفاوة بالغة ويُعطون مكانة خاصة.
هذا التحول في التعامل مع المعلم ليس مجرد مشكلة فردية أو سلوك معزول، بل هو مؤشر خطير على تدهور الأخلاق واندثار القيم في المجتمع.
فكيف يمكن لمجتمع أن يحافظ على قوته وصلابته إذا كان يقلل من شأن من يُعد ركيزة أساسية في بناء الإنسان؟
هذا السؤال ينبغي أن يطرح نفسه بقوة على المجتمع بأسره.
ولا شك أن سبب ضياع الأخلاق واندثار القيم، هو تهميش دور المعلم وتقليل أهمية رسالته، وإذا لم يتم تقديره وإعطاؤه مكانته اللائقة، فإننا نفتح الباب على مصراعيه لتفكك المجتمع أخلاقيًا وقيميًا، لأن التعليم هو حجر الزاوية في بناء الأجيال، وإذا قللنا من شأن المعلم، فنحن لا نخسر فردًا فقط، بل نخسر أجيالًا كاملة.
ومن الأمور المؤسفة التي تلفت الانتباه وتثير الاستغراب هو المشهد المتكرر في المناسبات الاجتماعية والرسمية، حيث يُستقبل أصحاب المناصب الأكاديمية والمهنية بكل إجلال وتقدير، بينما يُهمش المعلم وكأن ليس له دور يُذكر.
يُوضع الضابط في المقدمة، ويتصدر الطبيب منصات المجالس، ويحتفى بالمهندس، بينما يظل المعلم في الخلف مهمشا وكأن المجتمع قد نسي أو تناسى أنه صاحب الفضل على من يتصدرون المشهد.
المفارقة هنا هي أن المجتمع ذاته يدرك أهمية رسالة المعلم، والدليل على ذلك هو تخصيص يوم عالمي للاحتفاء بالمعلم وتكريم دوره.
ومع ذلك فإن هذا التقدير الرمزي لا يترجم في الواقع اليومي، حيث يستمر تهميشه والتقليل من شأنه.
إذا أردنا أن يستقيم المجتمع وأن نحافظ على قيمنا وأخلاقنا، فلا بد من تغيير هذه البرتوكولات النمطية التي تقلل من شأن المعلم.
يجب أن ندرك أن المعلم ليس مجرد موظف حكومي، بل هو حامل لرسالة سامية يجب أن تُعطى حقها من التقدير والاحترام.
لا يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كان يقلل من شأن من يعلم أبناءه ويغرس فيهم القيم والمبادئ.
تقدير المعلم وإعطاؤه مكانته الصحيحة ليس خيارًا، بل هو ضرورة حتمية إذا كنا نريد مستقبلًا أفضل لأبنائنا وللمجتمع ككل.