د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
النعت (الوصف) نوعان أحدهما نعت حقيقي يوافق المنعوت بأربع صفات: الإعراب والجنس والتعريف والعدد، ويكون فاعله ضميرا مستترا، نحو قوله تعالى (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ) [28-غافر]، وقوله (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [119-الشعراء]، فالفلك هو المشحون والمشحون هو الفلك، فثم مطابقة في اللفظ والمعنى، والمشحون مجرور كما أن الفلك مجرور، والمشحون معرفة كما أن الفلك معرفة، والمشحون مذكر كما أن الفلك مذكر، والمشحون مفرد كما أن الفلك مفرد، واحتمل المشحون ضميرًا مستترًا في محل رفع لأنه نائب فاعل ويعود إلى الفلك.
والآخر نعت سببي أي هو نعت للسابق من حيث اللفظ وهو نعت للاحق من حيث المعنى ويطابق النعت المنعوت في صفتين الإعراب والتعريف، نحو قوله تعالى (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ) [69-النحل]، وقوله (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) [75-النساء]، فليس الظالم صفة للقرية عينها، بل صفة لمن هو من سببها وهم أهلها، ونجد المتابعة في أمرين الإعراب فالظالم مجرور كما أن القرية مجرور، والتعريف فالظالم معرفة كما أن القرية معرفة. وفاعل النعت هنا ظاهر هو (أهلها).
ويدخل في ذلك النعت بالجملة فقد يعطف الحقيقي وقد يعطف السببان ومن عطف الحقيقي قول العباس بن مرداس:
قَوْمٌ هُمْ نَصَرُوا الرَّحْمَنَ وَاتَّبَعُوا
دِينَ الرَّسُولِ وَأَمْرُ النَّاسِ مُشْتَجِرُ
وأما السببي فقول الحطيئة:
قومٌ همُ الأنفُ، والأذنابُ غيرُهُمُ
ومن يُسوّي بأنفِ الناقة الذَّنَبا
فجملة (هم الأنف) نعت حقيقي للقوم و(الأذناب غيرهم) نعت لفظي للقوم ولكنه نعت معنوي لغيرهم.
الخبر الحقيقي وخبر السببي
الخبر الحقيقي المطابق للمبتدأ معنى، ولم يصفه النحويون بهذه الصفة، بل قالوا الجاري على المبتدأ، وأما خبر السببي فهو الخبر غير الجاري على المبتدأ، بل على ما له سبب بالمبتدأ، قال ابن عقيل «إذا جرى الخبر المشتق على من هو له استتر الضمير فيه، نحو (زيدٌ قائمٌ) أي: هو، فلو أتيت بعد المشتق بـ(هو) ونحوه وأبرزته فقلت: (زيدٌ قائمٌ هو)؛ فقد جوّز سيبويهِ فيه وجهين: أحدهما أن يكون (هو) تأكيدًا للضمير المستتر في قائم، والثاني أن يكون فاعلًا بـ(قائم) هذا إذا جرى على من هو له. فإن جرى على غير من هو له.. وجب إبراز الضمير سواء أُمِن اللّبس أو لم يُؤمَن، فمثال ما أُمن فيه اللبس (زيدٌ هندٌ ضاربُها هو)، ومثال ما لم يؤمن فيه اللبس لولا الضمير (زيدٌ عمرٌو ضاربُه هو) فيجب إبراز الضمير في الموضعين عند البصريين.. وأما الكوفيون فقالوا: إن أُمن اللبس جاز الأمران كالمثال الأول وهو (زيدٌ هندٌ ضاربها هو) فإن شئت أتيت بهو وإن شئت لم تأت به، وإن خيف اللبس وجب الإبراز كالمثال الثاني، فإنك لو لم تأت بالضمير فقلت (زيدٌ عمرٌو ضاربُه) لاحتمل أن يكون فاعل الضرب زيدًا وأن يكون عمرًا، فلما أتيت بالضمير فقلت (زيدٌ عمرٌو ضاربُه هو) تعين أن يكون زيد هو الفاعل»(1).
وفي قولنا (زيدٌ هندٌ ضاربها هو) نعرب ضاربًا خبرًا لهند؛ ولكنه خبر غير حقيقي؛ لأنه من حيث المعنى يخبر عن زيد فهو الضارب؛ ولذلك طابقه في التذكير. وإنما وجب إبراز الضمير لأن فاعل خبر السببي ظاهر، نحو (زيدٌ قادمٌ والداه).
وقد يأتي بعد المبتدأ خبران، أحدهما حقيقي والآخر سببي، ولا يصح عدهما سببين فيهما تنازع لأن ذلك يفصل الخبر عن المبتدأ، قال ابن مالك «ونبهت بقولي (غير سببي مَرفوع) على أن نحو زيد منطلق مسرع أخوه لا يجوز فيه تنازع، لأنك لو قصدت فيه التنازع أسندت أحد العاملين إلى السّببيّ وهو الأخ وأسندت الآخر إلى ضميره فيلزم عدم ارتباطه بالمبتدأ، لأنه لم يرفع ضميره ولاما التبس بضميره، ولا سبيل إلى إجازة ذلك. فإن سمع مثله حُمل على أن المتأخر مبتدأ مخبر عنه بالعاملين المتقدمين عليه، وفي كل واحد منهما ضمير مرفوع وهما وما بعدهما خبر عن الأول. ومنه قول كثير:
قضى كلُّ ذي دَيْنٍ فوَفَّى غَريمَه
وعَزَّةُ مَمْطولٌ مُعَنًّى غريمُها
أراد: وعزةُ غريمُها ممطولٌ معنًّى»(2).
ويدخل في هذا الخبر المعطوف فهو حقيقي أو المعطوف سببي، تقول: زيد عالمٌ وكريمٌ، فكريم معطوف حقيقي على عالم فهما خبران عن زيد، وتقول: زيد عالم وكريم خلقه، فكريم معطوف لفظًا على عالم وليس بخبر عن زيد بل هو خبر عن سببيه (خلقه).
الحال الحقيقي وحال السببي
الحال الحقيقي ما تكون بمعنى صاحبها وتسند على ضمير مستتر عائد على صاحب الحال، نحو قوله تعالى (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّب) [21-القصص]، فموسى صاحب الحال هو الخائف والخائف هو موسى.
وذكر محمد عبدالخالق عضيمة الحال لسببي(3)، نحو قوله تعالى (وَالنَّخْلَ وَالزّ َرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ) [141-الإنعام]، فصاحب الحال النخل فمختلف حال منه، ولكن المختلف من حيث المعنى ما له به سبب وهو الأكل. ونحو قوله تعالى (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَنُهُ) [13-النحل]، و(خَاشِعَةً أَبْصَارَهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) [44-المعارج].
***___***___***___***
(1) شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، 1/ 207.
(2) شرح التسهيل لابن مالك، 2/ 165.
(3) دراسات لأسلوب القرآن الكريم، 10/400.