علي حسين (السعلي)
قبل أن نبدأ في سبر أغوار مقالي هذا دعوني كرما وفضلا منكم في تفكيك العنوان كعادة سعليّة أظن تحبون بعضها والآخر يجامل كما تقرؤون أسطري الآن المجاملة:
هي هدية شفوية تنتطق، أو تلمس، أو تُحَسّ إما باليدين وإما لغة العيون، كرسالة عاشق كتب حروفا غزلية بعبارات معطرة مختلطة بورقة، وهكذا والأجمل في المجاملة مفاجأتها للمُهْدَى والتي بدورها تحفِّز الآخر، وتجعل أسارير وجهه مسرورة، وتنهض روحه بالانبساط، وأن مَنْ نجاملهم أشخاص مميزون…
حتى في دراسات علمية تشير أن المجاملة تحرّك جزء «سترياتم» الدماغية، مكانه في المخ الذي تنشّطه هذه المجاملة نقدية كانت أم معنوية، غير أنها تحسّن التواصل الاجتماعي بين البشر، الأزواج،الأقارب، الجيران، الأصدقاء، الزملاء وهكذا فهي تعطي طاقة إيجابية..
كما أشار العلماء في بعض أبحاثهم:
إلى أنّ تعوّد الأذن على سماع كلمات محفّزة في البيئة من البيئات تصير بين ليلة وضحاها استراتيجية موجّهة في استخدامها في سرعة الإنجاز وتحدد الوصول للأهداف بإتقان….
نأتي الآن للمجاملة نفسها هل هي ثقافة؟
هنا نستجلب في شعرنا العربي القديم بيتا لزهير بن أبي سلمى حين قال:
وَمَنْ لَمْ يُصانعْ فِي أُمُورٍ كَثيرةٍ
يُضَرَّسْ بأنْيابٍ ويُوطَأ بِمَنْسِمِ
وَمَنْ يجعلِ المعرُوفَ من دونِ عِرْضِهِ
يَفِرْهُ وَمَنْ لا يَتَّقِ الشّتمَ يُشْتَمِ
فكلمة «يصانع» كما هو معروف معناها: يجامل وشرح البيتين واضح.. تعالوا معي حالا لنسأل: كيف نجعل المجاملة سلوكا وأسلوب حياة؟
جميعنا نجامل الآخرين ولكن بين المثقفين أظن الوضع يختلف خصوصا إذا جاءت من مثقفٍ لآخر أو لـ سين من الناس!
في اعتقادي أن الوضع هنا يختلف فمدحك مجاملة لآخر يؤخذ منه ويعتدّ به وتطير به الركبان، ويصبح حديث المدينة وطبعا في مواقع التواصل الاجتماعي آكد ..
كنت وما زلت أقول:
إن المجاملة اللطيفة تدخل السرور للآخر، وهي مهمة طبعا في حياتنا لكن الإفراط فيها مشكلة والتقليل منها أم المشاكل، فلابد لكل واحد منّا أن يكون وسطا بين المجاملة الكاذبة الخارجة عن حد غير معقول وبين المجاملة المتزنة الواعية والمسببة قد تسألوني كيف؟
امدح مَنْ تريد جامل بأي أسلوب تريد بس بشرط ضع لمجاملتك أسبابا حتى مَنْ يقرأ ما تكتبه أو ما تقوله مقنعا منطقا وموافقا…
والأكيد في حق حرف المثقف المُجامِل مهمة جدا أن ينتبه مئة ألف مرّة قبل أن يجامل، فمجاملته تلك إما أن ترفع من لا يستحق وهو أدنى درجات النجاح، أوتجعله من خلال مدحك يعيش في برج عاجي لا يرى الناس إلا كأنهم نملا تحت قدميه!
فلا تكتب مثلا (بإجماع تام) فأنت حينها تفرح الممدوح وهو يعلم أنك كاذب «عفوا لهذه العبارة» وتُضِحِك عليك الآخرين بأنك -استغفر الله- منافق، وأنا أعلم وغيري يقينا بأنك أيها المثقف الكريم لست كاذبا ولا منافقا -معاذ الله- من ذلك، لكن حبنا لك ولحرفك القيّم ألا تجامل إلا مَنْ لا يستحق تكفى طلبتك!
وفي كلتا الحالتين أنت الخاسر الأكبر وتفقد بعد فترة مصداقيتك للأسف..
وأختم حين سألتُ أحد الأصدقاء عن المجاملة فقال بالحرف:
« إذا أجمع الناس أن شخصا ناجح أو فاشل فهو فاشل في الحالتين»
سطر وفاصلة
لا تجامل إلا مَنْ يستحق، ارفع حرفك عن السطر المُعَنّى ولا ترقص على أوتار المدح لحنا كاذبا، أرح جملتك تحت ظلّ شجرة الإبداع ، ولا تبتع بحفنة من حروفك شلّة من الأتباع، ارفع رأس حرفك عاليا، لا تسقطه عند بوابة المجاملات.