د. علي القحيص
ظهرت مؤخرا أصوات نشاز ما يثير الدهشة والاستغراب من بعض الاصطفافات القبلية، التي يتم توظيفها بأشكال وأدوات خاطئة تسيء للمجتمع السوي المتحضر المنسجم، الذي يرفض ويستنكر مثل هذا التصرف الضار والسلوك غير المنضبط، بما يؤدي الى بعض إثارة النعرات القبلية وتأجيج الفتن والتعصب ونبش الماضي القديم والتمجد فيه بشكل فج، والتنابز بالألقاب من قبل بعضهم بدون وعي أو إدراك لمفهوم الوطنية.
لم نتخلص بعد من الصراعات المذهبية والخلافات الطائفية والعرقية ولازالت تبعاتها السلبية تلقي بظلالها في خلافات وانقسامات بين الشعوب والمجتمعات العربية، التي ابتليت بهذا الوباء والافيون لتفتك بتماسك المجتمعات وتؤثر سلبا على مفهوم ودور الدولة العصرية وهيبتها ووحدتها، والتأثير على المجتمعات المسلمة التي تحولت الى بيئة خصبة لتغذية الإرهاب الأعمى والشحن الطائفي المقيت والتحزب والتكتلات المذهبية بما يقترب من مفهوم الميليشيات والتشكيلات المتطرفة، التي تغذي المزيد من العنف والتفرقة والتعصب والحقد والكراهية، كما حصل عام 2003م بعد احتلال العراق وتفكيكه وتمزيقه، وكأن ما حصل رفع الغطاء عن عش الدبابير!
واليوم نشاهد نغمة جديدة من بعض الأصوات المضرة من فئة قليلة لا تمثل المجتمع السعودي الذي يمقتها، ويستنكرها، تسلك طرق أسلوب المهاترات الرخيصة والتنابز بالألقاب والدس والتشكيل وزرع الضغائن والنفخ في كير النزاعات بدافع أحقاد وسرديات تاريخية مدسوسة، وبسموم أفكار متحجرة تهدف الى محاولة الصراع والتشظي المدان من كافة المكونات الاجتماعية، تسلك طرق ملتوية غير معبدة من خلال اجترار واستحضار بعض من الماضي السحيق الذي تجاوزه الزمن وطواه النسيان، وتوظيفه لخدمة أهداف عنصرية بغيضة وتشويه الحقائق وإثارة الفتن بين الأفراد والمجتمعات، وكلنا ننتمي لتلك القبائل العربية الأصيلة، ولكننا ننصهر في بوتقة الوطن والانتماء له. وكذلك انتشرت أساليب جديدة من مريدي (الهياط)، وتصوير الولائم ومدح وتشجيع من يقوم بتكديسها بشكل مسرف ومفرط من أجل التباهي والاستعراض والتظاهر بالكرم المزيف، وهدر النعم بما يتجاوز الواقع وبإسراف وتبذير إلى حد التهور والمبالغة بمضاعفة المناسبة الاجتماعية، والتباهي بكثرة هدر الأنعام بكثرة والأطعمة عن الحد المألوف المتبع والمستساغ في الأعراف الاجتماعية السائدة، من أجل البهرجة والتظاهر والتفاخر الزائف والوهم الملفق والتملق والخداع من بعضهم، الذي يتزامن مع المبالغة في تشييد المجالس وتوسعة المضايف وتضخيمها على حساب الحقيقة وتغطية النقص لدى بعض من يعانون من تلك العقد لأن فاقد الشيء لا يعطيه!
وأصبحت بعض هذه العادات الغريبة المستنكرة والمستغربة في الآونة الاخيرة تتكرر وتنتشر في وسائل التواصل، وتجد هناك قلة من يمارسها من قبل بعض الأسماء المغمورة وغير المعروفة في تاريخ وأعراف وتقاليد مجتمعاتنا العريقة!
مما جعل بعضهم يستهجنها ويطالب بعدم الترويج لها، لأنها وسيلة لبعض الجهلة المتطفلين، الذين يريدون أن يتبجحوا بإثارة النعرات القبلية المقززة والمنفرة، التي يتداولها بعض منهم، سواء عن جهل أو عدم معرفة مما تزيد من الشحن القبلي والتوتر الاجتماعي والفرقة والتباعد والمناكفات والخصوم في أوساط نسيج المجتمع المتصالح مع الوطن ومكوناته المجتمعية المتآلفة، يحاول بعض (المفلسين)، قليلي البصيرة قصيري النظر السفهاء، أن يثبتوا أنفسهم ويتركوا لهم بصمة حتى لو كانت (خائبة ومضرة) من أجل لفت الانتباه ليس إلا، عبر منصات التواصل الاجتماعي أو(التباعد الاجتماعي)، والفضاء المفتوح، الذي أصبح متاحا للجميع، مما جعل الكثير من العقلاء يطالبون الجهات الرسمية المعنية، وكذلك من أصحاب الفكر والعلم والثقافة والرأي السديد ورجال الإعلام لمكافحة والتصدي لمثل هذه الحالات المرضية الاجتماعية السلبية المرفوضة من الجميع، التي انتشرت في دولنا الخليجية أيضا، ونحن في زمن العولمة والحداثة والتطور والازدهار والنمو، بعد أن خطت بلادنا خطوات متقدمة وسريعة جدا في مجال التقنية والعلم والمعرفة والتطور، وتعزيز وترسيخ ثوابت هوية المواطنة وتناغم انسجام مكونات المجتمع المدني بمفهومه الأوسع الصحيح، تحت راية وقيادة واحدة في ظل قوة ونظام الدولة المدنية وقوانينها وأنظمتها، التي حرصت منذ الأيام الأولى للتأسيس على وحدة الوطن وقوة تلاحم مجتمعه بدون تمييز أو تفرقة تحت ظل راية واحدة، ومن هنا أتت المبادرة الحاسمة الأخيرة والخطوات الصارمة من قبل الجهات المعنية لإلقاء القبض على الأشخاص المشتبه بهم، أو لي أحد من مثيري الفتن والضغائن والفرقة في اوساط المجتمع السعودي، الذي يشجب مثل هذه التصرفات المرفوضة والسلوك غير المحمود وإغلاق المنافذ المزعجة والأبواب المشبوهة.
والمواقع ذات الصلة بهذه الرياح الصفراء المدانة، التي تعكر صفو الأجواء الصحية المريحة في البيئة الإيجابية المنتجة الجاذبة للعطاء والإبداع والتميز، ولا تقبل طنين الذباب المؤذي وتكافح السموم الضارة في أي مكان.
**
- كاتب سعودي