د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يبدو العنوان وكأنه دورة تدريبية سوف يطبق ذكرها الآفاق؛ حيث تُصاغ فيها قوانين القبول، ومسارات الوصول بنتاج الفكر إلى منصات الدراسة والنظر، ومن ثم التطبيق والنتيجة، ولكن المقال دعوة مني للتبصر والبصيرة في صيد العقول غير الموجه؛ الذي دائما ما يأخذ طابع المبادرة أو المقترح؛ وإذا سلمنا أن جوهر القيادة هو قوة التنبؤ قبل حدوث الأشياء، والقدرة على إدراك الصورة الكلية لواقع الأعمال، وإيجاد الحلول من خلال الربط بين الظواهر والأسباب والمقدمات والنتائج، وتفعيل الطاقات البشرية بكفاءة في اتجاه تحقيق الأهداف، فإنه يلزم القيادات التنفيذية اعتبار تلك المقترحات والمبادرات في دوائر العمل صناعة مصدرها المخلصين في واقعهم حين يكتبون ويطرحون بالنيابة عن محيطهم، بغض النظر عن سقف تلك الصناعة، ومستويات الفكر فيها، وكما قيل في المثل الشعبي «العود من أول ركزة «وكثير من المؤسسات الناشئة تبدأ النهوض من خلال نواتج المقترحات التي يلتقطها كل من له صلة أو لازمة بواقع نشاطها، ولذلك تنشط الأقلام عندما تستحدث الدولة- رعاها الله- قطاعا خدميا جديدا، ويجمل فضاء المقترحات عندما تتحدد في المؤسسة متطلبات النهوض وتعلن استراتيجيتها ومنهجها، وعندما تلتقط أهمية الطرح والرؤى من وجيب المحيطين، فإن ذلك يعبر عن نشوة ذلك المكان وحيويته، وفي دوائر المكان أيضا تُتاح الفرصة لكل موظف أن يكون محمودا في دائرته أصاب في رأيه أم أخطأ، ولعلي لا أكون مبالغة عندما أقول: إن انقياد المقترحات لصاحبها تجعل من دائرة المكان مستقرا، ومقاما ناميا بما ينفع ذلك القطاع ومستهدفاته، فكم من مقترح أصاب ودارت حوله مسارات نامية وقوية، وفي كل مرة تزداد عندي القناعة من خلال ما أراه من رصد جدير مهمل لا يُلتفتُ له أن هناك صلة كبيرة بين تلقي المقترح ناهيك عن قبوله، وبين صور العلاقة في دوائر العمل وبين كفاءة القائد، فالمعتاد أن المقترحات تقطع أودية سحيقة في رحلتها، وعادة ما تكون رحلة دون نهايات، وربما استوقف المقترح حيزا لا ينشط عقليا إلا على شكل أفراد وكل فرد في الحقيقة يرى في المقترح احترابا حوله، وحين تُغلق مساحات الرأي يغيب التحليل والتعليل حتما؛ والمقترحات صناعة أزلية تُقبل وترد، والنَّاس جميعا يتساوون في تلقي مضامينها، ولكنهم حتما لا يتساوون في فهم الفكر المتواري في طيات المقترح؛ إضافة إلى أن المقترحات التي يقدمها العاملون في دوائر العمل ليست مجدة عن واقعها؛ إنما هي أدوات طيعة، ومرايا قد تكون مصقولة أحيانا ما إن تخرج إلى حيّز الوجود والتنفيذ حتى تنبئ عن فكر صاحبها، كما يدل السحاب على المطر، وتمثل انتماءه للمؤسسة وخوفه على نبضها من فقدان الوهج والحراك الماثل الفاعل.
ولو تطرقنا لأسلوب دراسة المقترحات فإنها صناعة ذات شُعب، فهناك نسبة لابأس بها مخصوصة للسكوت!!؟حتى يصبح المقترح في عداد المسكوت عنه! ونسبة أخرى من لوازم تمزيق المقترح وبعثرته ثم جمع أشلائه في صياغات تخرجه من قبول التجريب ناهيك عن التنفيذ!!وفي المقابل هناك سياقات تؤطر للتنفيذ الحقيقي في حدود النظام المؤسسي المصنوع من البشر، كما هي المقترحات التي لا تمس فعلا قنوات التغيير في نطاق الاستراتيجيات الكبرى «،وربما أن قارون ذو حظ عظيم «وإذا ما قررت المقترحات الداعمة قبول التحدي، وصممت على أن تمضي لإيمانها بكامل نفعه؛ أو حتى جزء منه، فإن تكرار الفكرة وتبويب المقترح هو شروع في إعادة النظر في طريقة بناء بيئات العمل لتكون مؤهلة للانخراط في السباق الذي لن يتوقف، والذي سيقذف إلى خارج الحلبة كل الواهنين الذين لا يؤثرون في عالمهم ولا يتأثرون..
ونجزم من خلال واقعنا أن جدارة ما يُطرح من قبل الموظفين في المؤسسات جدارة تحيطها النسبية، فربما كان ما تتضمنه المقترحات لا يعدو إلا أن يكون معاني «الجاحظ» المطروحة في الطريق،لكن دائرة حديثنا تدور حول المقترحات التي تفضي إلى تشييد علاقة منطقية بحركة دوران العمل، وبناء سقف جديد لمستوياته، وإدراك صاف لشروطه المرحلية والدائمة، والتعرف على أنماط الفكر المتربع على مقاعد المؤسسة، والتآلف والتفاعل مع الحشود الداعمة لأي منطلق جديد تتبناه المؤسسات، كما أن المقترحات الداعمة ليست تسفيها لما ينجزه المرؤوسون أو الأقران في العمل مع الحفاظ الكامل على مقومات السلطة لرؤساء المؤسسات.
فالاهتمام بالمقترحات (صيد الأذهان) في دوائر العمل هو استجابة مُثلى من ذوي القرار في المؤسسات لشروط عقد الأمانة في العمل، فكم من التقاطةٍ صنعت قراراً نامياً، وبرامج عمل ناجحة، ففي الزوايا شذرات فكرٍ حي فهل إلى ذلك من سبيل؟!