د. تنيضب الفايدي
تقع عينونا على بعد 100 كيلومتر إلى الشمال من مدينة ضباء، وهي واحة غنية بالمياه، وميناء من الموانئ المشهورة بشمال الحجاز منذ عصور ما قبل الإسلام، وبساحلها يقع ميناء الأنباط الشهير (لوكي كومي -المدينة البيضاء) الذي ذكر في المصادر الكلاسيكية في القرن الأول قبل الميلاد، فهو موقع أثري تاريخي مهم، وترد عينونة في رحلات الحج المصري فقد أورد الجزيري في كتابه الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة أورد بأن عينونة مرحلة من مراحل الحج حيث قال: «ثم إلى بدا يعقوب عليه السلام، إلى ضباء، إلى النبك والصَّلا، إلى عينونة، إلى مدين، إلى أشراف البغل، إلى وادي الغراب، إلى حقل». وأوردها عدة مرات في ذلك الكتاب.
قال أبو عبيد البكري في كتابه المسالك والممالك: «والطريق من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصر على الجادة من المدينة إلى ذي خشبٍ إلى السُّويدا إلى البزوة، إلى سقيا يزيد، إلى بَدا يعقوب عليه السلام، إلى ضباء، إلى النبك والصَّلا، إلى عينونة، إلى مدين، إلى أشراف البعْل، إلى وادي الغرب، إلى حقلٍ، إلى مدينة أيلة».
ذكر الحربي في كتابه المناسك ضمن طريق الساحل حيث يقول: «من أيلة إلى عينونا، ومن عينونا إلى المصلى، ومن المصلّى إلى النبك، ومن النبك إلى ظُبّة، ومن ظبة إلى المرة، ومن المرة إلى عونيد، ومن عونيد إلى الوجه، ومن الوجه إلى منخوس، ومن المنخوس إلى الحوراء، ومن الحوراء إلى قصيبة، ومن قصيبة إلى البحرة، ومن البحرة إلى ينبع ومن ينبع إلى الجار، ومن الجار إلى المدينة».
وكان لحجاج مصر في العصور الإسلامية المبكرة بعد رحيلهم من مدين طريقان: أحدهما داخلي، والآخر ساحلي،أما الداخلي فيتجه إلى الداخل نحو شغب، ثم بدا ثم يمرّ على عدد من المنازل إلى أن يصل إلى وادي القرى، حيث يلتقي في السقيا
( الخشيبة) بطريق الحج الشامي ليسير معه إلى المدينة، وأما الطريق الساحلي فيسلك بعد مدين ساحل البحر، ويمر على عينونا، ثم النبك، (المويلح)، ثم ضباء ، ثم العونيد (عنتر)، ثم الوجه، ثم الحوراء (أملج)، ثم نبط، ثم ينبع النخل، ثم الجار، ومن الجار يتجه الطريق إلى مكة المكرمة مروراً بالجحفة أو مروراً ببدر إلى المدينة المنورة.
وقد سميت عينوني، كما سماها بعض المؤرخين عيون القصب لكثرة القصب في مائها الجاري، وقد تكلّم بطليموس عن وجود ميناء في ساحل شمال الجزيرة العربية يسمى (أونة)، وأن العين التي تقابل الميناء كانت تسمى عين أونة ثم أدغمت فصارت عينونة، وعينونة قديمة الذكر حيث ذكرها أكثر المؤرخين والرحالة، يقول الحموي: عَينُ أُنا: ويروى عَينونا وقد ذُكرت بعد هذا ومن قال بهذا قال: أُنا: واد بين الصلاَ ومدينَ وهو على الساحل. وقال السكري: هي قرية يطؤها طريق المصريين إذا حجوا، وأنا واد، وروي قول كثير:
يَجتزنَ أودية البُضيْع جوازعاً
أجوازَ عينِ أُنا فنعَف قيالِ
وقال القاضي محي الدين بن عبد الطاهر:
كتبتُ لكُمْ من أعْيُن القَصَب التي
جرَى في نواحِيها بذِكْركم طرَبْ
فإن أطْرَبَ التَّشْبيبُ فيها بذكركُم
فكمْ أطربَ التشْبِيبُ من أعيُنِ القَصَبْ
يقول اليعقوبي: «... عينونا فيه عمارة و نخل، وبه مطالب يطلب الناس فيها الذهب». كما كان لها في عهد الخليفة العباسي المتوكل والياً مستقلاً اسمه عبيد بن جهم، معيّن من قبل الخليفة في بغداد، وكان يلي بالإضافة إلى عينونا، الحوراء على الشاطئ الحجازي، وأسوان وما حولها في مصر».
قال الجزيري: «يصلونها (عيون القصب) في اليوم الرابع من العقبة والبحر الملح قريب منها، وربما ترسِى عليها بعض الزعايم، لبيع الغلال على أهل الركب، يجلبونه وغيره من الدقيق والمأكولات من بندر الطور، وماؤها المورود خارج من وادي، جارٍ على نخيل أخضر، وقصب فارسي، وشجر من المقل، ولذلك هو سريع التغير إلى العفونة، يصلح للغسل والاستعمال».
وقال: «عيون القصب على مرحلتين من مغائر الشعيب (البدع اليوم) وهي عيون سارحة، ضعيفة المنبع، ينبت عليها القصب، ماؤها لا يستطاب وإن كان عذباً ويقيم يومه كله ويجد به الحاج هناك رفقاً للاغتسال وغسل القماش».
وقال العبدري الذي مر بها سنة 689هـ: «عيون القصب وهو ماء جار عذب ولكنه ليس بالكثير ومنبعه من شعب بين جبلين على يسار المتوجه إلى الشرق، وفيه الطرفا والبردى كثير وتخالطه رائحة البردى كثيراً، وهو من أقرب مياه البرية متناولاً وأقلها كلفة».
ويقول العياشي (1059هجري) في وصف منزل عينونة: بأنه ماء جار في مضيق بين جبلين وقال انه على شفير الوادي مسجد مبني بالحجارة».
ويقول الورثلاني: «ثم ظعنا منها ليلاً إلى أن وصلنا عيون القصب، وفيها ماء حار عذب قريب من البحر وهو كثير القصب».
كما ذكرها الدرعي حيث مر بها ، فيقول: «نزلنا عيون القصب وتقول الأعراب عينونة, وماؤها عذب نمير جار على يسار الذاهب في مضيق من الجبل ثابتة على ديس قريب من البحر وهو أقرب مياه الدرب وأقلها كلفة وفي أعلى الوادي في الجبل نخل وأرض زراعة فلا يخلو من الأعراب فيكثر ضررهم وعلى شفير الوادي قريب من منزلة الركب مسجد مبني بالحجارة المنحوتة ومنبر بإزائه».
كما ورد عيون القصب (عينونة) في الشعر يقول الشاعر:
قد وصلنا لعيون القصب
واستراح القلب بعد النصب
وعيون الماء قد جرت
كسيول الغيث بين القصب
فجلسنا في صفاء عندها
وظفرنا عندها بالأرب
وتشوقنا لشاد مطرب
يتغنى بعيون القصب
ووصفها فلبي لما زارها سنة 1951م فقال ما تعريبه: «سرنا من قرية الخريبة بحذاء الضفة الشمالية في الوادي فوق أرض صخرية،حتى وصلنا بساتين نخل عينونة، بعد أقل من عشر دقائق ويبدو أن عينونة كانت ذات أهمية مرموقة، إذ تقع في مركز (إستراتيجي) يمتد على شكل شريط رفيع من الأرض، ويقطعه الوادي، عبر مجرى من الصخور الجيرية، ومن هذا المجرى تتفرع جميع الطرق المؤدية إلى السهل والتي تنفذ إلى البحر، أما جدول الماء الجاري الذي يأتى من منطقة مخيمنا (على بعد نحو 3 أميال من الخريبة) فلا يصل إلى أبعد من الأرض الرملية الشاسعة في الوادي المقابلة للبحر، من سلسلة المرتفعات، ووجدت عند كتف الضفة اليمنى خرائب قرية كبيرة تمتد نحو 500 ياردة، على طول قمة الصخور الجيرية في عرض 250 ياردة وهناك خرائب أخرى تدعى مغاير الكفّار، وهذه تقع على ضفتي الوادي على مسافة تقرب من ميل واحد عن النخيل، وهي على الضفة اليمنى في موقع مساحته 500 ياردة طولا في عرض 100 ياردة ، وفوقها صخور تشكل سدّا طبيعيا للوادي ، لا يزيد ارتفاعه عن بضعة أقدام. وفي نهاية الصخور على الضفة اليسرى خرائب حجرية قديمة، وأكواخ القرية المصنوعة من سعف النخل القريبة من الشّريط لا تسكن إلا أيام جنى التّمر».
وتوجد بعينونة مجموعة من المواقع الأثرية النبطية والإسلامية، أهمها: مستوطنة سكنية بجبل صفراء عينونا، وأخرى بجبل عريق الكفرة، تنتشر على سطحها معالم جدران مبنية بالحجر، والمسيوق وهي مستوطنة سكنية صغيرة، وقلعة نبطية بأعلى جبل صفراء عينونا الشمالية، ومجموعة مقابر ركامية من العصر النبطي تجاور القلعة.
بعض المراجع:
معجم البلدان للحموي، البلدان لليعقوبي، درر الفرائد المنظمة للجزيري، المناسك للحربي، نزهة الأنظار للورثلاني، العقد الثمين لدرر تبوك للدكتور تنيضب الفايدي، صيد الذاكرة الباصرة للدكتور تنيضب الفايدي، الآثار الإسلامية في شمال غرب المملكة لـ: علي غبان، المعجم الجغرافي للجاسر، أرض الأنبياء لـ: فيلبي، غزوة تبوك للدكتور تنيضب الفايدي، الأدب يخلد معالم الوطن للدكتور تنيضب الفايدي.