عبدالله إبراهيم الكعيد
في خلق النقيضين الليل والنهار تعرّف الإنسان على بقية الثنائيات كالشمس والقمر، الأرض والسماء، الشتاء والصيف، الخير والشر، وفي الألوان الأبيض يضاده الأسود وغيرها، لهذا يضرب بتضاد ذلكما اللونين الحديّة في التناقض.
وحسب أهل علم النفس فإن مفهوم «يا أبيض يا أسود» يُعبّر عن نمط تفكير يُعرف بالتفكير الثنائي، حيث يتم تقسيم الأمور الى نوعين متضادين فقط، دون وجود مساحة بينهما. هذا النمط من التفكير يجعل الشخص يرى الأمور إما ناجحة أو فاشلة، بدون الاعتراف بأن الواقع قد يكون أكثر تعقيداً ويميل الى المناطق الرمادية.
هنالك أفراد طباعهم تتسم بالحديّة، لا يوجد لديهم مساحات للمناورة يمكن النفاذ من خلالها لحلول توافقية، مثل هؤلاء قد يخفقون في مهارة المفاوضات إذ يتمسكون بآرائهم ولا يتحركون قيد أنملة تجاه آراء الأطراف الأخرى. إما أبيض أو أسود. مع أن بإمكانهم التفكير خارج صندوقهم الحاد والنظر بتأن في الحلول المطروحة على الطاولة، حتى لو تم طلب مهلة للتفكير ومن ثم أبدى الرأي فيها.
شريحة أخرى وهم الذين يسعون للكمال، هؤلاء يخشون من الفشل أكثر من غيرهم حسب رأي الكاتب الأمريكي الخبير في تطوير الإنتاجية ديمون زهارياديس مؤلف كتاب «متعة عدم الكمال» خشية تعرّض شريحة أصحاب الكمال للفشل لكونهم يتعرفون على كل شيء عبر لونين فقط إما أبيض أو أسود، ويتوقعون نتائج أفعالهم من خلال تلك الفكرة غير المرنة، بمعنى آخر إما ينجحون أو يفشلون، ليس هناك حل وسط بالنسبة لهم، وهذا منتهى التطرف حسب وجهة نظري.
من منّا لم يواجه أحد أصحاب هذا التفكير الثنائي الحاد؟
أكاد أجزم بأن الكثيرين قد مرّوا بتجربة ليست سعيدة مع هؤلاء، إنهم حين يتمسكون بآرائهم ولا يقبلون النقاش حولها كأنهم يوصدون كل الأبواب فإما أن تقبل أو مع السلامة، هكذا يحسمون الأمور، ثم تجدهم بعد ذلك يفتشون عبثاً عن سبب عدم الإنجاز أو تحقيق تقدم في الإقناع؟
حتى في محيط الأسرة يفترض انتهاج المرونة كوسيلة لحل الخلافات، وكذا للتفاهم مع الأبناء والبنات ولاسيّما اذا كان الموضوع يتعلق بمستقبلهم التعليمي أو الزواج وغيرها من الأمور المفصلية التي لا تحتمل القرارات الحادة. يحدث أن نواجه في حياتنا مواقف وأحداثا تتضمن جوانب متعددة وتستدعي اتخاذ قرارات بناءً على تقييم متوازن ومعمق وليس فقط عبر تقسيمها الى جيد أو سيئ.
الذين يتصفون بالمرونة غالبا ما يكون تفكيرهم حياديا ويقبلون سماع كل الآراء، ومن ثم يميلون نحو الأصح منها وبالتالي يتخذون القرارات السليمة.