يزيد الدبيخي
ما بين وسائل تتجدد ورسائل تتمدد وما بين إعلام مقروء ممتد منذ العصور وآخر مسموع كانت انطلاقته قبل قرون وما بين رحلة الأمس وقافلة اليوم خرجت لنا ظاهرة حديثة أصبحت حكايات للمجتمعات وقصص للمجالس والكافيات وأصبحت أيقونة يستند إليها البعض في أحاديثه ونقاشاته والبعض ربما سيطرت على أفكاره ومعتقداته وهذه بلا شك ظاهرة خرجت أخيرا تسمى «مواقع التواصل الاجتماعي» والتي يراها البعض اليوم فاقت بإبداعها وسرعتها وسائل الإعلام الأخرى وتحديدا وسائل الإعلام التقليدية وهنا يكمن الاختلاف وتتعارض وجهات النظر بين مؤيد ومعارض فأحدهم يبحث عن السرعة والآخر يتحرى الدقة ولكي نوطر المسألة ونصل إلى نقطة التقاء فإنه ليس من مهام وسائل الإعلام فقط إيصال الخبر بسرعة كبيرة وحسب أو الوصول للمعلومة بطريقة حصرية أو احتكارية أو الفوز دوما بالسبق الصحافي فالإعلام دوره أكبر وأشمل ومسؤولياته أعظم فالإعلام المتزن يرتكز على أسس وضوابط أهمها هو التأكد والتثبت من المعلومة قبل نشرها أو إذاعتها إضافة إلى اختيار المصادر بكل عناية ودقة وهذه الضوابط مع الأسف تفتقر إليها «مواقع التواصل الاجتماعي» بشكل كبير وملحوظ فكم رأينا خلال الأعوام الماضية من أخبار مكذوبة.
تصدرت هذه المواقع وكم شاهدنا من معلومات وأحداث كانت خالية من الضوابط المهنية وأيضا المجتمعية فضلا عن نشر الشائعات والفيديوهات الدونية وغير الأخلاقية والتي كانت سببا في كثرة اللغط وإطلاق شرارة الخلافات وفتح باب الانتقادات، بين المجتمعات والأفراد وأصبح البعض يشارك فيها دون خلفية علمية أو عملية ولا حتى دينية، فاختلط الحابل بالنابل وأصبحنا نشاهد العجب العجاب فالذي نراه اليوم أعتقد بأنها وسائل ترفيهية ولا ترتقي إلى أن تكون وسيلة إعلامية موثوقة، وذلك لأن العمل في مجال الإعلام بشكل عام يحتاج إلى حد كبير من المعرفة والوعي والثقافة والقدرة وهذا ما لا تلتزم به مواقع التواصل الاجتماعي للأسف، فسهولة إنشاء معرفات وصفحات على هذه المواقع سهلة الدخول للجميع فأصبح العامي طبيبا متخصصا والأمي عالما مفتيا والجاهل مرشدا أسريا ونفسيا وهذه بلا شك أثرت على المجتمعات بطريقة سلبية وذلك لأنها ليس لها أسس علمية ولا أكاديمية فكثرت المشكلات الصحية وزادت الاعتقادات السلبية وارتفعت حالات الطلاق والسبب يعود إلى متابعة أشخاص غير أكفاء ولا متخصصين وهذا يخالف تماما قواعد الإعلام وأبجدياته ولو افترضنا على سبيل المثال انقطاع الإنترنت عن العالم لأي سبب كان فإن هذه المواقع سوف تشل حركتها وتفقد فاعليتها، وهنا يأتي التأكيد على أهمية الإعلام التقليدي الذي يتميز بكثرة وسائله ويتمتع بالمهنية العالية والضوابط المجتمعية والإنسانية ودون أدنى شك ستبقى مكانته وحضوره خصوصا في أخذ الأخبار المهمة والأحداث السياسية الحساسة والتصاريح الحصرية ولعل حادثة «كورونا» كانت خير دليل وأكبر برهان وكيف تجلى الإعلام التقليدي في نقل الأحداث بكل شفافية وإيصال الصورة بكل دقة وموضوعية وهذا قطعا لا يقلل مما يقوم به اليوم «الإعلام الرقمي» ومدى أهميته في تقديم الخدمات الرائعة والعظيمة والتي اختصرت بدورها الكثير من الجهد والوقت فالسرعة والدقة مطلوبان بكل تأكيد وما يميز الإعلام الرقمي أكثر هو المرجعية في اختيار المصادر وانتقاء الأخبار ووجود جهة رقابية وإشرافية تعنى بمتابعة المحتوى وإدارته فالجميع يبحث عن المعلومة الدقيقة والموثوقة بعيدا عن الأخبار الساذجة الباطلة وهنا يقع الاختلافات بين أشكال وطرق الإعلام ووسائله التقليدية أو الرقمية وبين «وسائل التواصل الاجتماعي» وعلى المتلقي الاختيار بينها فيما يخدم توجهه واهتماماته وثمة رسالة مهمة لمن ليه حضور وتواجد ونشاط على مواقع التواصل اجعل لك ضابطا أخلاقيا ومهنيا وراقب الله عز وجل في السر قبل العلن في نشر المعلومات والمعطيات وتذكر قول الله تعالى:
{بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} (14 - 15) سورة القيامة.