رمضان جريدي العنزي
الجود والعطاء والسخاء والكرم والنبل والسماحة والمروءة والتفاعل مع قضايا الغير، سمات وصفات تضفي على صاحبها بريقا خاصا، وميزة فريدة، وتجعل له في نفوس الناس مكانة مرموقة، ومجدا ساميا، يأسر النفوس، ويطيب القلوب، إن أعجز الناس من عجز عن اكتساب الآخرين، واكتساب الناس لا يتوانى عنه إلا الخاملون المعقدون، قال الشاعر:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا
وأقبح الكفر والإفلاس في الرجل
وقال الإمام الشافعي:
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسرك أن يكون لها عطاء
تستر بالسخاء فكل عيب
يغطيه كما قيل السخاء
وأجود الناس هم الأنبياء، وجودهم لا حد له، وأجودهم وأكرمهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، إن الجود والكرم اشتهر بهما العرب دون سائر الأمم، فقد كانوا يتنافسون بهذه الصفات نحو آفاق لا حدود لها، ويتغنون به بأشعارهم، ولا يعدون السيد سيدا ما لم يكن كريما معطاء، إن الجود والكرم من أخلاق الإسلام، وخصلة من خصاله العظيمة، به تسود المحبة والمودة والرحمة بين أفراد المجتمع، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (إن الله جواد يحب الجواد، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها)، لقد كان الكرم والجود والسخاء من أبرز الصفات التي يتباهى بها الناس في العصر الجاهلي، وكان بعضهم مضربا للمثل في الجود والكرم؛ كحاتم الطائي الذي يخاطب امرأته «نوار» فيقول:
مهلا نوار أقلي اللوم والعذلا
ولا تقولي لشيء فات ما فعلا
ولا تقولي لمال كنت مهلكه
مهلا وإن كنت أعطي الجن والخبلا
يرى البخيل سبيل المال واحدة
إن الجواد يرى في ماله سبلا
لا تعذليني في مال وصلت به
رحما وخير سبيل المال ما وصلا
هذا هو حال العرب في جاهليتهم، فكيف بمن منّ الله عليه بالإسلام ودعاه إلى أخلاقه، إن ديننا الحنيف يدعو إلى البذل والإنفاق في غير سفه ولا تبذير، ويرغب في الكرم والسخاء، وينهى على الشح والبخل، ويحذر من المنع والإمساك، فما المال إلا ظل زائل، وعارية مسترجعة، انتقل إلينا من غيرنا، وسينتقل منا إلى غيرنا، فلنتزود منه ليوم يقف فيه العباد بين يدي رب العباد، حفاة عراة، من غير مال ولا جاه، كما خلقوا أول مرة، لا ينفعهم إلا ما قدموه بين أيديهم من صالح الأعمال.