د. محمد بن أحمد غروي
يعد الاستثمار الأخضر نوعًا فريدا من الاستثمار يسعى إلى دعم ممارسات الأعمال التي لها تأثير إيجابي على البيئة الطبيعية. فلها معايير ذات مسؤولية اجتماعية وبيئة البيئية ضمن إطار محوكم، وفق التزام بالحفاظ على الموارد الطبيعية أو الحد من التلوث أو غيرها من ممارسات الأعمال الواعية بيئيًا.
من الملاحظ أن العديد من دول آسيان تدفع بقوة نحو زيادة الاستثمار الأخضر في مختلف المشروعات وبشتى السبل، بما يحقق لها نموًا اقتصاديًا ويجعلها مواكبة للاتجاهات الرائجة عالميًا ويسهم في الحفاظ على البيئة من مخاطر التغير المناخي. في سبيل ذلك اتخذت دول جنوب شرق آسيا عددًا من الخطوات، وطورت خططًا تدعم رؤيتها في تعزيز الاستثمارات الخضراء سأسرد بعضا منها.
فإندونيسيا قد أعلنت قبل أسابيع عن تخفيف متطلبات المحتوى المحلي في قطاع الطاقة، بهدف جذب التمويل الميسر لاستثمارات الطاقة المتجددة من بنوك التنمية الدولية. وأقرت لائحة جديدة أكثر مرونة، من المتوقع أن يصل تمويل الاستثمار الأخضر بحوالي 281 مليار دولار أمريكي كجزء من إجمالي 1.1 تريليون دولار مطلوبة لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060. علاوة على ذلك طورت جاكرتا أيضًا استراتيجية لدعم الاستثمار الأخضر من خلال عدد من البدائل التمويلية مثل السندات الخضراء والصكوك الخضراء والتصنيف الأخضر وتسعير الكربون.
أشار تقرير اقتصادي بعنوان «الاقتصاد الأخضر في جنوب شرق آسيا 2024 تحريك الوجهة» إلى أن ماليزيا قد شهدت زيادة بنسبة 326 % على أساس سنوي في الاستثمارات الخضراء لتصل إلى أكثر من مليار دولار أمريكي العام الماضي. وبحسب التقرير فإن هذا يمثل 16 %من إجمالي الاستثمارات الخضراء في جنوب شرق آسيا. وأبرز التقرير أنه على الرغم من أن الطاقة، وخاصة الطاقة المتجددة، استمرت في كونها محور الاستثمار الأخضر الرائد في العام الماضي، فقد كان هناك ارتفاع ملحوظ في الاستثمارات في مراكز البيانات الخضراء، مدفوعة في المقام الأول بلوائح كفاءة الطاقة في ماليزيا وسنغافورة.
في اعتقادي أن الطاقة المتجددة في ماليزيا مجال محوري مستقبلي مهم، فخطة إدارة الطاقة الوطنية، حيث تستهدف ماليزيا زيادة سعة الطاقة المتجددة المركبة، من 40 % في عام 2040 إلى 70 % بحلول عام 2050 كما وتسعى الحكومة الماليزية لاستثمارات تتراوح ما بين 270 مليار دولار إلى 290 مليار دولار بحلول عام 2050. في مانيلا يشير تقرير اقتصادي صدر العام الجاري، أن الفلبين قطعت خطوات كبيرة في زيادة الاستثمارات نحو جعل الاقتصاد أكثر خضرة وصياغة خرائط الطريق. لكنها سجلت أدنى مستوى من حيث الطموح، مما يشير إلى الحاجة إلى أن تكون أكثر طموحًا في أهدافها لإزالة الكربون. وفي الفلبين، لا يزال الفحم يمثل حوالي 42 % من مزيج الطاقة، وبالتالي يتطلب استثمارات ضخمة إذا كنت تريد أن تتخلص من الوقود الأحفوري. كما قارب استثمار القطاع الخاص الفلبيني في الاقتصاد الأخضر المليار والنصف دولار في عام 2023، بارتفاع بنسبة 57 % مقارنة بالعام السابق. وتواصل البلاد تحقيق مسار تصاعدي في درجة المؤشر الأخضر لعام 2024، حيث ارتفعت بثلاث مراتب لتصل إلى 39 من أصل 100. ومع ذلك، توجد فجوة استثمارية ويجب بذل جهود كبيرة لتلبية الاستثمار الرأسمالي المطلوب البالغ 16.6 مليار دولار.
تقارير توقعت أن يزدهر الاقتصاد الأخضر في فيتنام من 6.7 مليار دولار في عام 2020 إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2050. وفي هذا الصدد، يتوقع البنك الدولي أن تحتاج فيتنام إلى 368 مليار دولار من الآن وحتى عام 2040، أي ما يعادل 6.8 % من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا، لتحسين القدرة على الصمود وإزالة الكربون.
إجمالًا، ارتفعت الاستثمارات الخضراء وفي مجالات الطاقة المتجددة في جنوب شرق آسيا بنسبة 20% على أساس سنوي إلى 6.3 مليار دولار أمريكي في عام 2023 مقابل 5.2 مليار دولار أمريكي في عام 2022، وفق تقرير صادر عن شركة باين أند كمباني للاستشارات الاقتصادية والإدارية. وكانت ماليزيا هي الدولة التي حققت أكبر قفزة على أساس سنوي بنسبة 326 %. وخَلُص التقرير إلى أن الطاقة، وخاصة الطاقة المتجددة، ظلت أكبر موضوع للاستثمار الأخضر في المنطقة العام الماضي.
وخلص التقرير أنه على الرغم من التقدم المُحرز في مجال الاستثمارات الخضراء، فلا يزال أمام المنطقة طريق طويل لتحقيق الاستثمارات التراكمية البالغة 1.5 تريليون دولار أميركي اللازمة لتمويل التحول الأخضر في المنطقة، حيث لم يتم استثمار سوى 1.5 % أو 45 مليار دولار أميركي اعتبارًا من عام 2023، مشيرًا إلى خمس إجراءات من شأنها أن تسهم في تسريع التحول الأخضر في المنطقة، وهي مجموعة أكثر شمولاً من الحوافز السياسية، وآليات التمويل المبتكرة، وتوسيع نطاق الاستثمارات المؤسسية، وتطوير التجمعات أو المشاريع التجريبية، والتعاون الإقليمي. آسيان لا تزال تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة، فدول جنوب شرق آسيا بحاجة ماسة إلى الموازنة بين النمو الاقتصادي وتكاليف التحول إلى الطاقة المتجددة.