محمد سليمان العنقري
هناك مقولة شهيرة حول الذهب بأنه يعشق الأحداث السيئة، فشراؤه بقصد الاحتفاظ به لفترات طويلة لا يحقق عوائد سنوية مثل الاسهم والسندات والصكوك والعقارات، وقد تكون مكاسبه في ارتفاع سعر الاونصة، لكن تذبذب اسعاره يعد مرتفعاً؛ لذلك لا يعول كثيراً من قبل كبار مقتني الذهب من بنوك مركزية ومن في حكم المستثمر الاستراتيجي على ارتفاع السعر إنما لحفظ قيمة الاحتياطيات المالية بتحويلها لذهب بظروف اقتصادية معينة غالباً سلبية، وهناك وظائف اخرى تتمثل بدعم قيمة العملة وهذا من صميم توجه الدول عبر بنوكها المركزية.
في هذه الايام حلق سعر الاونصة لمستويات غير مسبوقة عند 2617 دولارا ومرشحة لان تصل لمستويات تقارب 2800 دولار كاحتمال وارد وليس اكيدا في الفترة القريبة، ومع هذه المستويات السعرية الجديدة ظهرت تفسيرات عديدة لهذه الارتفاعات ركزت غالبيتها على خفض الفائدة المتوقع من قبل الفيدرالي الامريكي، حيث يتوقع تراجع الدولار امام العملات العالمية وينعكس ذلك تلقائياً على سعر الذهب كوعاء قيمة يحفظ القوة الشرائية من تراجع العملة الامريكية التي تمثل 59 بالمائة من احتياطي العالم، لكن هل هذه الاسباب تعد الوحيدة؟
في الحقيقة لابد من النظر الى عوامل اخرى بالغة الخطورة والاهمية، فالذهب لم يصل لهذه المستويات عندما كانت الفائدة شبه صفرية ولسنوات مع انخفاض بقيمة الدولار وحجم ضخم من التيسير الكمي تم ضخه بالأسواق، وهو ما يطرح التساؤل حول اي اسباب قد تكون خفية في آثارها لكنها ظاهرة بشكل بسيط كأحداث يتم تداولها دون معرفة بمآلاتها وعلى رأسها توقعات ركود تضخمي بالاقتصاد الامريكي وضعف نمو الاقتصاد الصيني وكذلك دول اوروبا التي تزداد فيها حالات افلاس الشركات، والاهم هو معرفة عمق هذه التراجعات بأكبر اقتصادات العالم لو تحققت ومدة بقائها، لذلك فإن تحوط كبار المشترين للذهب من بنوك مركزية وصناديق استثمار ضخمة هو استعداد لمثل هذا الاحتمال، ومما يزيد الامور تعقيداً هو الاحداث الجيوسياسية، فحاليا ستجرى مناورات عسكرية صينية - روسية رداً على احتمال نشر صواريخ امريكية في اليابان، ويضاف لذلك الملف الشائك المتمثل بتطورات الحرب الروسية - الاوكرانية وارتفاع حدة التهديدات بتوسعها من ناحية الاسلحة المستخدمة، خصوصا اذا حصلت اوكرانيا على صواريخ تمكنها من ضرب العمق الروسي لان الرد سيكون كبيراً جدا، فموسكو تملك ترسانة اسلحة متقدمة جداً في تأثيرها مما يعني انه لو تطورت الحرب الى تصعيد كبير جداً فسيكون الذهب اهم ملاذ آمن، وقد نشاهد مستويات تفوق 3000 الاف دولار للأونصة، ولذلك لابد عند تفسير ظواهر ارتفاع اسعار الذهب من النظر لأسوء الاحتمالات ففي الزوايا المظلمة تختبئ الحقيقة.
العالم يمر بمرحلة مفصلية في خارطة القوى السياسية والاقتصادية والميل للتصعيد بين الدول المتصارعة هو سيد الموقف حالياً، رغم حاجتهم للتهدئة والتقاط الانفاس والتركيز على تجاوز التحديات الاقتصادية والتشوهات الحاصلة نتيجة السياسات التي ألهبت التضخم، ورفعت حجم الديون في العالم الى 315 تريليون دولار مما ينذر بمخاطر كبرى لو انفجرت قنبلة الديون نتيجة لزيادة التعثر بالسداد في حال تفاقمت الاوضاع الاقتصادية العالمية للأسوأ.