اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
من المعروف أن البطالة المقنعة لا تقل خطورة عن البطالة السافرة، وهي تعني كثرة العاملين دون حاجة العمل إليهم بشكل تكون معه هذه الزيادة غير منتجة، بحيث لو تم تقليصها والاستغناء عنها بقي الإنتاج على ما هو عليه ولم يتأثر، كما أنها تعني استخدام الشخص في غير اختصاصه وعدم تفعيل دوره مما يقلل من إنتاجيته عما هو مطلوب منه مقارنة بنظيره المنتج.
وترتيباً على ذلك فإن البطالة المستترة تمثل الحالة التي يتكدس فيها عدد كبير من العاملين بصورة تفوق الحاجة الفعلية للعمل، وبالتالي يكون سقف انتاجهم متدنياً لتدني القدرات والمهارات المبذولة بسبب سوء استخدام الموارد البشرية وممارسة العمل بطريقة غير فاعلة.
هذه الظاهرة المتمثلة في زيادة عدد الموظفين وعدم تناسب عددهم مع الوظائف المعتمدة والمهام المطلوب تنفيذها خلقت بيئة وظيفية من الغرابة بمكان، إلى درجة أن بعضهم يتقاضى راتباً دون أن يعمل مما كان له تأثير سلبي على الاقتصاد وتراجع الإنتاج.
البطالة المقنعة ذات تأثير سلبي على الفرد والمجتمع؛ لكونها تشكل عبئاً على الاقتصاد وتقف حجر عثرة في وجه التطوير، ومن سلبياتها استفحال الكساد الاقتصادي الذي ينعكس بصورة سلبية على العامل وصاحب العمل، كما أنها تؤدي إلى هجرة أصحاب الاختصاصات النادرة.
مكافحة البطالة المقنعة تستدعي تكثيف البحث الميداني وتعزيز فرص العمل والاهتمام بالتعليم والتدريب المهني وتوفير برامج تدريبية وتعليمية تخدم احتياج سوق العمل، علاوة على إجراء تقويم مستمر لمعرفة النتائج المترتبة التي بموجبها يقاس الموقف حول وجود البطالة المقنعة.
وتأسيساً على ذلك فإن معالجة البطالة المقنعة بأبعادها المختلفة تتطلب الاهتمام بالتنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية، مع إعداد الخطط الاستراتيجية والعناية بالموارد البشرية وحوكمة القطاع الحكومي وإيجاد بيئة جاذبة للاستثمار ووضع التشريعات وسن القوانين الملائمة لذلك، مع وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
وثمة جملة من الأسباب التي يترتب عليها وجود البطالة المقنعة، والفساد الإداري يعتبر من أهم هذه الأسباب التي تتمحور حولها النشاطات المغذية للبطالة المقنعة، حيث إنه يؤثر تأثيراً مباشراً على حياة الفرد والمجتمع من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية، وكل ما له علاقة بالقطاعات الإنتاجية والخدمية التي تحتاج إلى وضع استراتيجية شاملة لمكافحة الفساد ومعالجة البطالة بشقيها الظاهر والمستتر.
وظاهرة البطالة المقنعة تنمو في البيئة التي يوجد فيها الفساد الإداري سواء بسبب الممارسات الإدارية المنحرفة التي تؤثر في سلوك العاملين وتجعلهم ينزلقون في مستقنع البطالة المستترة، أو نتيجة للتوظيف الذي يتم بطريقة غير نظامية تغلب عليها المحسوبية والمصالح الشخصية. ومن هذا المنطلق فإن التنظيم غير الرسمي في المؤسسة ما دخل في بيئة عمل الا أفسدها وحولها إلى معقل من معاقل الفساد الإداري ومحضن من محاضن البطالة المقنعة، وفي ظل هذا التنظيم المبغوض والمرفوض تختفي الكفاءات الإدارية وتغيب العدالة الاجتماعية وتحل محلها الشلل المصلحية ودعاة المحاباة والمحسوبية.
هذا التكتل غير الرسمي الذي يعتمد على العلاقات والصداقات المشبوهة يطلق عليه مصطلح الشللية، وهو خليط من تبادل المنافع وتخادم المصالح على حساب المصلحة العامة، وفي الوقت نفسه يمثل مزيجاً من المحسوبية والمحاباة والعنصرية بشقيها القبلي والمناطقي، وأينما وجد هذا التكتل في أي مؤسسة سيطر عليها الفساد المالي والإداري وتفشت فيها البطالة المقنعة.
ان بصمات هذا التنظيم وممارساته السلبية تظهر في مجالات العمل بالنسبة للمؤسسة، وفي مقدمتها ترقيات العاملين وتعييناتهم والمقياس الذي تقاس به الفروق الفردية بينهم، بما يضع شاغل المنصب على مستوى المؤسسة في المعترك وعلمه وعقله على المحك، فهناك شاغل منصب مطبوع يضع الأمور في مواضعها وينسبها إلى مراجعها، وآخر مخدوع يعاني من انفصام الشخصية ويغلب عليه حب الذات والأنانية.
انحراف المؤسسة عن مهمتها الأساسية إلى مهام ثانوية يعتبر نتيجة لما تعانيه هذه المؤسسة من الفساد الإداري الذي جلب لها بطالة مقنعة وطغمة شللية فاسدة أصبحت بسببهما ضحية لضعف قرارها والانحراف عن مسارها، وبالتالي لم تعد قادرة على إنجاز مهامها وبلوغ أهدافها. الواقع أن شاغل المنصب الذي يقود من خلال ما يسمعه وليس من واقع ما يصنعه عادة ما يفتقر إلى القدرة على التمييز بين متطلبات المركزية ودواعي اللامركزية، وما ينطوي عليه ذلك من إيجاد بيئة مناسبة ومناخ ملائم للانتهازيين والأنانيين لعدم احترام التسلسل القيادي وتجاوز المراجع القيادية نتيجة لتفشي البطالة المستترة من جراء الفساد الإداري، وانعكاس ذلك بصورة سلبية على تأدية العمل ومستوى الإنتاج.
شاغل المنصب الذي هذا حاله غالباً ما يكون فاقداً لسلطته وتأثيره بالاعتماد على غيره والقيادة بصورة غير مباشرة، مما يفسح المجال للتكتلات الشللية والتنظيمات غير الرسمية للتدخل في عمل المؤسسة الرسمية وتعطيل أنظمتها وقوانينها القائمة واستبدالها ببدائل غير ملائمة؛ تجعلها عرضة لانتشار الفساد الذي يقود إلى البطالة المقنعة والكساد، وما يؤدي إليه هذا الثنائي من تدمير الاقتصاد والعبث بمصير البلاد والعباد.
يستفحل الفساد الإداري ويستشري التكتل الشُللي عند وجود شاغل منصب ضعيف في شخصيته وإمعة في قيادته، أو شاغل منصب نرجسي يستهويه التملق والنفاق ويجد بغيته في وجود تكتل يحيط به عندما يتسنم المنصب لبلوغ مآربه والحصول على مطالبه دون أن يقدر مسؤولية أو يحسب حساباً للمصلحة العامة، متجاهلاً أن القيادة تكليف لا تشريف وخدمة أكثر منها سلطة.
ونظراً لأن المملكة تمر بمرحلة تطويرية في مختلف المجالات التنموية، فإن مؤسسات الدولة يجب أن تتحمل مسؤولياتها نحو عملية التطوير والتحديث للمشاركة بفعالية في النهضة التطويرية والتنموية للدولة، الامر الذي يحتم على القائمين على هذه المؤسسات الاهتمام بذلك ومواصلة المسيرة على طريق التنمية المستدامة والشاملة التي تسعي الدولة إلى تحقيقها وتعمل من أجل الوصول إليها.
لم تترك قيادة المملكة طريقا إلا طرقته ولا وسيلة مشروعة الا استخدمتها في سبيل مكافحة الفساد وتنويع مصادر الاقتصاد، ورؤية 2030 خير شاهد على ذلك حيث تبذل القيادة جهوداً جهيدة لمعالجة ظاهرة البطالة بشقيها السافر والمستتر، عن طريق وضع السياسات التي تُشجع الاستثمار وتُحسن بيئة العمل وتُعزز الشفافية مع توفير فرص العمل ووضع التنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية على رأس قائمة اهتمامات الدولة.