خالد بن عبدالرحمن الذييب
ظهر مفهوم مدن الـ15 دقيقة على يد المخطط الفرنسي الجنسية الكولومبي الأصل كارلوس مورينيو عام 2016م، وأصبح ذائع الصيت مع عمدة باريس آن هيدالجو التي نادت بتطبيقه عام 2020 تحت شعار «عودة إلى نمط الحياة المحلية»، تأثراً بانتشار فيروس كورونا عام 2019.
يقول مورينيو من خلال لقاء مع قناة الـBBC عام 2021م: «لم يفكر الكثيرون قبل الوباء في زيارة المتاجر القريبة من منازلهم ولم يعرفوا جيرانهم أو المنتزهات القريبة منهم. وكل ذلك ساعدنا الوباء على اكتشافه، فقد تغيرت نظرتنا لأحيائنا، وهو ما أسهم في تحسين جودة حياتنا». هذا المفهوم يعتبر رؤية جديدة تسعى إلى تحسين جودة الحياة من خلال تحقيق نموذج لمدينة تمكّن سكانها من تلبية احتياجاتهم الأساسية خلال نطاق لا يتجاوز الـ15 دقيقة مشياً على الأقدام أو سيرا بالدراجة الهوائية، لتقليل التلوث، وتحسين التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية وفقاً لمؤيدي الفكرة.
ومع أنه لا يزال في بداياته ويجد ترحيباً واسعاً عند الوسط المهتم بالتخطيط الحضري إلا أن هناك نقاطاً سوداء تظهر من بعيد، وقد تكبر إذا تُركت لتصبح ثقوباً سوداء تلتهم المفهوم ومن يعزز له، مثل تقييد حرية الحركة وتحديد خيارات السكن والعمل، وزيادة التكاليف المعيشية داخل مراكز المدن، وكذلك إهمال المناطق البعيدة في أطراف المدن.
هذه المزاعم بدأت تظهر في أكسفورد من خلال التدابير التي تهدف إلى التخفيف من حركة المرور واقتراح إنشاء مرافق محلية ومراكز مجتمعية كجزء من خطة مدن الـ15 دقيقة كأحد أهداف خطة استراتيجية «أكسفورد 2040» التي لاقت موجة غضب عارمة في وسائل التواصل الاجتماعي البريطانية، مع أن ما حدث في أكسفورد لا يعدو سوى تدريب للمواطنين للتعود على هذا النمط لـ«أكسفورد 2040».
يفكر المنتقدون في سياق فكرة «المؤامرة» أو «المخطط الأوسع» إن جاز التعبير الذي يقضي بأن هناك مجموعات من البشر تحكم العالم وتوجهه إلى ما تريد، وفي هذه الحالة توجيه الساكنين إلى التحرك في نطاق ضيق جدا للتحكم فيهم بشكل أسهل من خلال تقييد الحركة. أصحاب هذه النظرية خلطوا بين قيود كورونا في فترة من الفترات وبين المفهوم بحد ذاته، فمدن الـ15 دقيقة لن تقوم بذلك بأي حال من الأحوال في الحالات الطبيعية، أما في حالات الأوبئة لا سمح الله فالأمر مختلف سواء بمدن الـ15 دقيقة أو غيرها.
أخيراً ...
مدن الـ15 دقيقة لا تفرض أوامر ولكن تضع خيارات، فلا أحد في المدن سيجبر أحداً على اتخاذ وسيلة نقل معينة أو يمنعه من استخدام وسيلة نقل.
ما بعد أخيراً ...
دور التخطيط هو وضع خيارات متعددة لتحفيز المواطنين لتحقيق الأهداف العليا للمدينة.