نجلاء العتيبي
لم يكن العلم مجرد معرفة بالنسبة لها.. بل رسالة تحملها بين ضلوعها، تعكس التزامها العميق تجاه ما آمنت به.
ومن منطلق فخرها بعمق البحر الأحمر في وطنها..
بكنوزه، بثرائه الطبيعي، وتنوُّعه البيئي المميز، شعرت بمسؤوليةٍ تتجاوز حدود كل العقبات التي واجهتها... رأت في دراستها وتخصُّصها في استزراع المرجان واجبًا وطنيًّا لا مجرد خيار شخصي.
فهي لا تنظر إلى البحر الأحمر على أنه مكانٌ للغوص والاستكشاف فقط، بل كمسؤولية بيئية تستوجب الاهتمام والعناية؛ لضمان أن تظلَّ مياه البحر الأحمر نابضة بالحياة، وتظل شعابه المرجانية ملاذًا آمنًا للتنوُّع البيولوجي الفريد.
من أجمل ما يمكن أن يعيشه الإنسان أن يكون لديه هدفٌ في الحياة، يمنحه الدافع والقوة؛ لمواجهة التحديات والاستمرار في التقدُّم.
أصغيت بتركيز إلى كلِّ كلماتها عن الشعاب، زاهية الألوان، المليئة بالحياة.. وعن حزنها على تحوُّل بعضها إلى اللون الأبيض الشاحب..لتُلهمني أن أكتب ببساطة الكلمة عن المرجان.. الكائن البحري الذي يُشكِّل الشعاب المرجانية..
والشعاب المرجانية تتكوَّن من مستعمرات من كائنات صغيرة تُسمَّى «البوالب المرجانية»، التي تفرز هياكل صلبة من كربونات الكالسيوم؛ ما يؤدي إلى تكوين الشعاب المرجانية على مرِّ الزمن.
هذه الشعاب تعد نُظُمًا بيئية بحرية غنية تدعم تنوعًا بيولوجيًّا هائلًا.
يبدو كائنًا بسيطًا يعيش في أعماق البحار، لكن الحقيقة أن حياة المرجان أعقدُ بكثير مما نتصوَّر، قد لا نملك الكثير من المعلومات عنه، لكن إحساسنا بالمسؤولية تجاه البيئة والطبيعة يدفعنا للاهتمام بما لا نعرفه تمامًا. فالمرجان ليس مجرد كائن بحري، بل هو ركيزة أساسية للنظم البيئية البحرية، يدعم حياة مئات الكائنات الأخرى، ويُؤثِّر بشكل مباشر على التوازن البيئي.
استزراعه يُعد أحد الابتكارات البيئية التي تُمثِّل نقطة تحوُّل في الحفاظ على التنوُّع الحيوي البحري.
التوازنات البيئية تُشكِّل أساس الحياة البحرية.. والشعاب المرجانية تُسهم في توفير ملاذٍ آمنٍ للأسماك واللا فقاريات؛ ما يضمن استمرارية سلاسل الغذاء البحرية.
استعادة الشِّعاب المتضررة تتيح للأسماك والكائنات الأخرى العيشَ والتكاثر في بيئة صحية؛ ما يُعزِّز الاستدامة البيولوجية في البحار.
كما أن الشعاب المرجانية تلعب دورًا مهمًّا في حماية السواحل من التآكل الطبيعي الناتج عن الأمواج والعواصف، حيث تعمل كحواجز طبيعية تمتصُّ قوة الأمواج قبل وصولها إلى الشواطئ.
هذه العملية تُسهم في استقرار الساحل، وحماية المجتمعات الساحلية من التآكل والتدمير.
الأثر على الإنسان.
تتجلَّى فوائد استزراع المرجان بشكل مباشر في تحسين نوعية حياة الإنسان. فمن جهةٍ، فإن استعادة الشعاب المرجانية تدعم الصناعات المرتبطة بالبحار، مثل: السياحة البيئية، وصيد الأسماك، وهي مصادر دخل لملايين البشر حول العالم، أما من جهة أخرى، فالشعاب المرجانية تسهم في تحسين جودة المياه المحيطة بها عبر امتصاص المواد العضوية؛ ما ينعكس إيجابيًّا على صحة الإنسان، والحياة البحرية.
وبالإضافة إلى الأثر الاقتصادي والبيئي؛ فإن استزراع المرجان يُقدِّم للبشرية درسًا في التعايش مع الطبيعة، وهذه العملية تعكس قدرة الإنسان على التكيُّف مع التغيرات البيئية الكبيرة من خلال حلول مبتكرة ومستدامة. إن نجاح استزراع المرجان يُشير إلى أن حماية الطبيعة ليست فقط مسؤولية أخلاقية، بل أيضًا فرصة لتعلُّم احترام التوازنات الدقيقة التي تربط الإنسان بالطبيعة.
يظلُّ مستقبل استزراع المرجان مسارًا واعدًا؛ للتخفيف من آثار التدهور البيئي الذي تشهده المحيطات
مع تطوُّر التكنولوجيا يُتوقَّع أن تتمكَّن الأبحاث العلمية من تحسين كفاءة هذه العملية؛ ما سيُعزِّز من سرعة وفعالية استعادة الشعاب المرجانية.
إن استزراع المرجان ليس فقط جهدًا للحفاظ على جمال المحيطات، بل هو استثمار في مستقبل البشرية، والعالم الطبيعي الذي نعتمد عليه في حياتنا اليومية.
ضوء
في كل موجة ترتفع على الشاطئ، تكمن رسالة تحثُّنا على الحفاظ على هذا الكنز الأزرق الذي يمدُّنا بالاستمرارية.