هناء الحمراني
منذ عقود انحصر عمل المتخصصين في المناهج وطرق التدريس داخل المنشآت التعليمية، سواء في إعداد مناهج التعليم العام، أو تدريس الطلاب المعلمين في الجامعات، وبمجرد أن نسمع عن متخصص في المناهج فإن أول ما قد يتبادر إلى الذهن الكتاب المدرسي، وطرق التدريس، والمزيد من الأفكار التي لن تتعدى غرفة الصف!
ومن وجهة نظري فإن دور متخصص المناهج أوسع وأكثر عمقًا من أن ينحصر بين دفتي كتاب، أو طريقة تدريس؛ فإذا نظرنا إلى دور الكتاب المدرسي نجد أنه حلقة الوصل التي تترجم فيه التطلعات الوطنية، وما الذي تريد الدولة أن يتعلمه الطلاب ليكونوا مواطنين صالحين. وهذا الدور الكبير، ومع التطورات التنموية والتغيرات الجوهرية في التعليم بمختلف مستوياته ومراحله العمرية وقطاعاته التي تتبناه، تتطلب أن يكون هناك اهتمام أكبر بطبيعة أدوار متخصصي المناهج، وأخذ إمكاناته التخصصية بعين الاعتبار للمساهمة في دعم التعليم والتدريب.
وحاليا نجد أنهم مشاركون وبقوة في أعمال تعدت تصميم الكتاب المدرسي، فالطموحات الوطنية جعلت من المهم أن نبدأ بتصميم المناهج من الاستراتيجيات الوطنية كما في رؤية المملكة العربية السعودية 2023 والتي ترجمت أهدافها التعليمية في برنامج تنمية القدرات البشرية، كما نجد أهمية دورهم في تصميم أطر المناهج، سواء كان الإطار عاما أو تخصصيا، وبناء المعايير المهنية للمعلمين، كما قامت بذلك هيئة تقويم التعليم والتدريب، لتنبثق من كل هذه الوثائق قرارات تدعم تطوير نظام التعليم، وتنوع المنتجات التعليمية التي يعد الكتاب المدرسي، والمنصات الإلكترونية أحدها، إضافة إلى برامج التنمية المهنية للمعلمين، والمعنية بمواءمة أدوار المعلمين لتحقيق المستهدفات التعليمية.
ولكن أدوار المتخصصين في المناهج ينبغي ألا تقف عند هذا الحد؛ فلهم دور مهم في القطاعين العام والخاص وغير الربحي حتى وإن لم تكن المنشآت المعنية متخصصة في المجال التعليمي، ويتمثل هذا الدور في بناء برامج التطوير المهني، ومساراته، ومحتوى التطوير، بالتعاون مع فرق العمل المتخصصة في مجالات عمل هذه الشركات، كما يمكنهم المساهمة في بناء الأوصاف الوظيفية والتأكد من مواءمة البرامج التطويرية مع استراتيجية المنشأة، والمشاركة في بناء المقاييس التي تحدد الفجوات، ونقاط القوة لدى الموظفين، مما يجعل من برامج التطوير المهني أكثر فاعلية، كما يمكنهم المشاركة في بناء البرامج التدريبية للموظفين الجدد لتأهيلهم بما يتناسب مع متطلبات الموظف الجديد.
وفي جانب التدريب التعاوني، الذي يشهد اهتمامًا جادًا من الدولة، وأصبحت له عناية خاصة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ومع وجود فجوة بعدم توفر برامج تدريبية متطورة لطلاب الجامعات في كثير من القطاعات الحكومية والخاصة، فيمكن لمتخصصي المناهج المشاركة بفاعلية في تصميم هذه البرامج وبناء مقاييس التقدم للطلاب، ليعيشوا مرحلة تدريبية فعالة تمكنهم من فهم سوق العمل، والتخطيط لمسارهم المهني، وإظهار قدراتهم الحالية، والواعدة للشركات التي يتدربون فيها.
كما تأتي أدوارهم في دعم المنظمات الدولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتي يعد التعليم أحدها، من خلال التشارك في بناء الخطط التنموية الخاصة بالتعليم، والتكامل مع الخطط الخاصة بالأهداف الأخرى، فضلًا عن بناء مؤشرات ومقاييس التقدم في تحقيق الخطط والأهداف، وكتابة التقارير التي تحفظ وتوجز ما تم تحقيقه على مستوى المنظمات.
إن دور متخصص المناهج وطرق التدريس، هو دور أساسي، وتكاملي في نفس الوقت. ويتطلب منه ومن الجهات المعنية بتأهيله أن يكون ملمًا بالتخطيط الاستراتيجي وأدواته، والتطوير المهني وأبعاده، إضافة إلى مهاراته في بناء المحتوى والمواءمة، والبحث العلمي. كما أن دوره الذي يجعله منخرطًا في التعامل مع تخصصات ومسارات غير التي ترتبط بتخصصه يتطلب منه أن يمتلك مهارات ناعمة تتمثل في المرونة، والقدرة على العمل مع فريق، وحل المشكلات، وسرعة الإنجاز، وفاعليته.
كما يتطلب دوره أن تعيد الجهات المعنية النظر في المهام الموكلة إليه، لتفتح له الأبواب للمشاركة في القطاع العام والخاص وغير الربحي؛ فالمهارات والقدرات التي يمتلكها، ستساهم في تحريك جانب التعليم والتدريب والتطوير في هذه الجهات.
كما ستعطي المتخصصين فرصة للتنقل بين قطاع التعليم والقطاعات الأخرى، مما يعظم من الخبرات، ويدعم التماسك والترابط بينها. ومما يعزز هذا التوجه وجود الأكاديميات في كثير من الشركات، واهتمام المملكة العربية السعودية بجانب تطوير القدرات البشرية منذ الطفولة، مرورا بالمرحلة الجامعية، ومرحلة الحياة العملية التي تتضمن تطوير المهارات، وإعادة بناء مهارات جديدة ملائمة لمتطلبات سوق العمل.