سطام بن عبدالله آل سعد
في إطار الجهود المبذولة لتحسين جودة الحياة، يمثل انتشار العمالة السائبة حول محلات بيع مواد البناء مثل السباكة والكهرباء والدهانات وغيرها تحديًا مقلقًا. هذه العمالة غير المنظمة تشكل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا على السوق السعودي، حيث إن انتشارها في المدن الكبرى دون تنظيم يعيق تحسين الاقتصاد المحلي ويؤدي إلى تدني مستوى الجودة المهنية.
تعاني هذه العمالة من نقص المهارات المهنية اللازمة لتقديم أعمال بجودة عالية، مما يؤثر سلبًا على جودة البناء والخدمات المقدمة للمواطنين. فالاعتماد على عمالة غير مدربة يزيد من مخاطر تنفيذ أعمال غير مضمونة سواء من حيث الجودة أو الالتزام بالمواعيد. بالإضافة إلى ذلك، تعمل هذه العمالة خارج إطار الاقتصاد الرسمي، مما يُفقد فرصة تنظيم هذا القطاع وجني العوائد المالية من خلال الضرائب وتنظيم العمل بما يحمي حقوق جميع الأطراف.
على مستوى أصحاب المحلات والموردين، تؤدي العمالة السائبة إلى خسائر مباشرة، لأن الاعتماد عليها ينتج عنه تنفيذ أعمال بجودة متدنية تتطلب إصلاحات متكررة، مما يزيد من الطلب على مواد البناء والأدوات الصحية والكهربائية. وهذا بدوره يرفع تكاليف الموردين، وبالتالي زيادة أسعار المنتجات والخدمات على المستهلك النهائي.
ومن الناحية البيئية، تشكل العمالة السائبة تحديًا كبيرًا للاستدامة. فاستخدام مواد ذات جودة رديئة في عمليات البناء والصيانة يزيد من النفايات المتولدة، مما يضغط على الموارد الطبيعية والمرافق العامة. هذا الضغط يتفاقم مع الاستهلاك غير المنظم للمياه والكهرباء، مما يساهم في استنزاف الموارد، خاصة في ظل جهود المملكة المستمرة للحفاظ على مواردها المائية.
إضافة إلى ذلك، غياب ممارسات البناء المستدام، يزيد من التأثيرات البيئية السلبية على المدى الطويل نتيجة الاستهلاك غير الضروري للموارد، كما أن انتشار العمالة السائبة في المناطق التجارية يساهم في الزحام المروري، مما يسبب تلوث الهواء نتيجة استخدام وسائل نقل متهالكة وغير صالحة، مسبباً ضررًا بيئيًا إضافيًا.
ولمعالجة هذه الظاهرة، من الضروري اتخاذ خطوات عاجلة وجذرية تشمل فرض رقابة صارمة على العمالة غير المنظمة ومنع تواجدها في الشوارع بدون عقود عمل رسمية أو انتماء لشركات مرخصة. كما يجب تشجيع الشركات والمواطنين على التعامل مع العمالة المدربة والمرخصة لضمان جودة العمل والمساهمة في الاقتصاد الرسمي.
يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء منصة إلكترونية حكومية تسجل العمالة المؤقتة وتربطها بالشركات أو الأفراد الذين يحتاجون إلى خدماتهم بشكل قانوني ومنظم. تسمح هذه المنصة للعمال بالحصول على تصاريح عمل مؤقتة بموافقة كفلائهم، فتساعد على تنظيم القطاع بمرونة ودون اللجوء إلى إجراءات قسرية، مع ضمان الالتزام بمعايير الجودة والسلامة. كما يسهم هذا النظام في دمج العمالة تدريجيًا في الاقتصاد الرسمي دون إرباك السوق، مع ضمان تحقيق العوائد المالية والضريبية بشكل كامل.
تحسين جودة الحياة يتطلب وضع حد لهذه الظاهرة التي تؤثر سلبًا على التطلعات الاقتصادية للمملكة. لذا لا بد أن يكون هناك إطار تنظيمي متين يحفظ حقوق الجميع ويساهم في رفع مستوى الخدمات المهنية، ما يعزز مكانة المملكة كوجهة اقتصادية مستدامة ومتقدمة.
**
- مستشار التنمية المستدامة