د. محمد بن إبراهيم الملحم
أخيرا أكدت وزارة التعليم على قواعد السلوك والمواظبة لطلاب وطالبات التعليم العام، لتعزيز الانضباط السلوكي داخل المدارس وخاصة معالجة المشكلات الناجمة من استخدام الجوال داخل أروقة المدارس، ويشمل ذلك مثالا لا حصرا تصوير أو تسجيل الطلاب أو المعلمين والإداريين دون علمهم وإذنهم. ولكن لا شك أن هناك مضارا أخرى متعددة للجوال أو الأجهزة الذكية في المدرسة، فالطلاب يمكن أن يستخدموه للاتفاق على سلوك جماعي سلبي مشترك يسبب الفوضى في المدرسة مثلا أو للاتفاق على لقاءات ثنائية مع أشخاص من خارج المدرسة في أوقات ما بين الحصص أو عند الخروج أو الدخول، كما يمكن أن يكون وسيلة للترفيه أثناء الحصص الدراسية دون علم المعلم مما يزيد من صعوبة الضبط الصفي على المعلمين، وخصوصا المستجدين منهم، وعلى أي الأحوال فإن تعدد احتمالات استثمار الجوال بطريقة سلبية مما لا يمكن حصره وتوقعه في كثير من الأحيان كافٍ لمنع اصطحابه للمدرسة، سواء للطلاب الأكبر سنا في المرحلتين المتوسطة والثانوية أو الأصغر سنا في المرحلة الابتدائية، بل إن فكرة حمل الطفل للجوال في البيت والمدرسة وغيرهما هي في أساسها فكرة خاطئة وغير تربوية، وينبغي للوالدين أن يتفهما أن تسليم الجوال إلى الطفل في مرحلة الطفولة هو تسليمه أداة ضررها يتعدى منافعها بكثير، قد يصل هذا الضرر إلى المساس بحياته أو سلامته النفسية أو الصحية.
ولابد في الواقع أن يبدأ هذا الضبط لسلوك الطفل منذ مراحله المبكرة فلا ينبغي أن تلجأ الأم دائما إلى إلهاء الطفل الصغير بتسليمه الجوال في يده ليتفرج على المقاطع المسلية، فإن من شأن هذا التصرف أن يولد داخل الطفل علاقة عاطفية عميقة مع الجهاز تجعله يتعلق به مع مرور الوقت وإذا دخل المدرسة وأعطي الجهاز وحتى لو كان ذلك في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي مثلا فإن تعلقه به سيشتد أكثر وأكثر، ولكن إذا احتاجت الأم إلى تسلية طفلها بواسطة مقاطع الجوال (الملائمة والتربوية) فينبغي أن تجعل الجوال أمامه على طاولة وليس في يده لتمنع حدوث هذا الارتباط العاطفي مع الآلة، وهذا أقل ما تفعله، ولو استخدمت الآيباد فهو أفضل بالطبع، كما ينبغي أن يكون الاستخدام مقننا زمنيا ومكانيا، فلا يظل يشاهد الجوال لمدد طويلة وبتكرارات متعددة خلال اليوم. والبديل الأفضل لتسلية الطفل هو توفير ألعاب حركية وتفكيرية تتضمن تحديات تناسب سن الطفل وتتلاءم أيضا مع رغباته ومهاراته.
الوالدان مطالبان أيضا بالاهتمام بترشيد استخدام أطفالهم الأكبر سنا سواء في المرحلة المتوسطة أو الثانوية مع إرشادهم وتوعيتهم باستمرار إلى مخاطر هذه الأجهزة الصحية والأخلاقية والنفسية، فإدمانها من شأنه أن يكبت كثيرا من المهارات وفرص التطور الشخصي للشباب، كما أنه يعودهم على السلبية في التلقي بدلا من المبادرة في الأنشطة، وغني عن الذكر أن أول ما يتوجب على الوالدين في هذا المجال هو تمثلهم القدوة الحسنة أمام أولادهم ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا، فلا يليق أن يعظهم الأب أو الأم حول مضار الاستخدام المفرط للجوال بينما هم يمضون أغلب وقتهم في التنقل بين رسائل الواتساب وتطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة، كما أن المدرسة مطالبة أيضا بالجدية في تطبيق أنظمة منع الجوال وتوعية الطلاب والطالبات بمضارها وتقديم تلك التوعية في سياقات جذابة مقنعة.
**
- مدير عام تعليم سابق