علي حسين (السعلي)
(يُحكى أنّ الشاعر علي بن الجهم أتى من البادية، أشعث أغبر، لا يعرف عن المدينة شيئًا، فدخل على الخليفة المتوكّل، فأنشد مادحًا:
أنت كالكلب في حفاظك للودّ
وكالتّيس في قِراع الخطوبِ
أنت كالدّلو لا عدمناك دلوًا
من كبار الدِّلا عظيم الذَّنوبِ
وبعد أن استوطن المدينة، وتمدّن، وعرف من بغداد ما عرف، وقطف منها ما قطف، وغرف منها ما غرف، أنشد:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدنَ لي الشوق القديم ولم أكن
سلوتُ ولكن زِدْنَ جمرًا على جمرِ!
أنا لا تفق ولا أنكر هذه القصة، وليس طريقي في الخوض من ذلك لكن أوردته استشهادا لعنونة مقالي في ملامحي وممالحي وهي بسم الله:
إن الطبيعة التي تتمتع بها القرى الريف من جبال وسهول ومرتفعات شاهقة وبَرْ وصحراء هذه الكيانات التي خلقها الله سبحانه في أرض منبسطة لكل غادٍ ورائح، خيام أعمودة تثبتها كل هذه المناظر من شمس حارقة وحَر مقلق وبرد يقطع الجسد وسأكمل ونفوس طاهرة وبيوت تحاور بعضها بعضا لو «عطس» أحد فيها لعرفها جميع من يسكن هذا الريف والقرية والصحراء… إذا هي ما بين بداوة مثقلة بالجمال وريفٍ متخم بالبهاء بأشجاره ونبعه وآباره وحكايات بعضها فوق بعض آن أدخلت فكرة لم تكد تدركه العقول من كمية تلك الأوصاف الحسنة والقليل من غير ذلك ولعلها الحسد وهو موجود مدينة وبداوة ريفا وقرى… الحالة الاجتماعية في هذا كله عنوانها القسوة والتحمّل والصبر قوة الشخصية وبعد النظر وعنوان هذا كله الشجاعة والإقدام أليس كذلك؟
فحين يخرج من هذه البداوة والقرية شاعر أديب قاص مثقف روائي…. فكيف يتعامل مع هذا الذي ذكرته فوق؟ الأكيد يقتبس ويصير لسان حاله ما تربّى عليه في هذا الريف وهذه الصحراء!
فاللفظ بدوي والمعنى قرية وأنفاس ذاك الأديب المثقف من زرع الريحان وإنعاش الكادي وعطر الخزامى…
دعونا الآن نجري مقارنة بين نصين قرويين للشاعر حسن الزهراني ونرى هل هناك تغيّر؟:
النص الأول
يا من سكنت دمي!
شعر حسن محمد الزهراني، يقول:
مـن هـا هـنـا مـن قـريـة (الـقـِسَـمـة)
أنشدت شعرا رائع النغمة
قد كان شعب (صميعة) المأوى
تشدو على (خـيـطـانـه) الـكـلـمـة
روض إذا غنّت بلابله
عـادت جيوش الحزن منهزمة
أهديت شلال المنى شجني
ورسمت في خد الهوى قممه
ونـظـمـت شـعـري فيه مقتبساً
مـن حـسـنـه الأبيات مبتسمة
ديوان (صدى الأشجان) 1997م
أما النص الثاني:
سرنمة
ذات حلمٍ
وشمس الضحى
سطعت
في هزيع الدجى
كنت أمشي بجانب ظلّي
الذي كان يمتد خمسييييييييين عامْا
* * *
كنت أمشي وحيدًا
وظلي وحيدًا
فألقي عليه
ويلقي عليَّ السلامْ...
* * *
(الرصيفان) و(السرو)
والصمت
في الشارع الكهل
تضحك مني ومنه
والشبابيك
تنفث ضوءًا شفيفًا
يبدد بعض الظلامْ....
* * *
المحبون
كانوا يمرون من هاهنا
بقلوب مخضبة بالهوى
وحناجر مسكونة بأغاني الغرام....
* * *
هذان النصان لشاعر واحد ينتمي لقرية واحدة في منطقة واحدة والموضوع فيهما «القرية»
فقريته القسمة ومنطقته الباحة ومع ذلك باختلاف النصين والبون الشاسع بين بداياته حين كتبها في الزمن والتاريخ إلا أن مظاهر القرية جليّة في تعابيره… نحن أيها السيدات والسادة أمام شاعر القرية حسن الزهراني فلم بتغيّر ولم يتبدّل والفرق بين النصين طريقة التناول سيمائية الحروف، تكنييك الطريقة… والسؤال الآن:
ماذا إن جلست هذا الحسن في المدينة ردها من الزمن هل ستتغير معانيه وألفاظه وطريقة أوصافه لطبيعة التي بين قرية ومدينة؟
وهذا ما يدعوني باختيار شاعر ثان عاش في القرية وعاش بالمدينة ونبرز النصين ونرى، ما رأيكم؟
سطر وفاصلة
حلمي أن أمضي نحو الغروب
وقرص الشمس يحتمي خلف
الغيوم
أنّة في صدر قصديتي تقول:
لماذا حلم فكري مغيّب
وغراب البين ينعق فوق شجرة
الحب ينعي الهموم
سأحمل فوق كفي رسالة
وحمامتي تهدل عند شباكي
واسمع نبضات قلبي متعبة
تحكي قصة وتر السهوم