د.عبد العزيز سليمان العبودي
كتاب (العاطفة اللاأخلاقية الأنانية: فلسفة عصبية حول الطبيعة البشرية ودوافعها) من تأليف الدكتور نايف الروضان. صدرت الطبعة الأولى من الكتاب سنة 2021 بالإنجليزية عن دار لوترورث للنشر في 330 صفحة، يقدّم المؤلف فيه إطارًا فلسفيًا عصبيًا لفهم طبيعة الإنسان ودوافعه. ويسعى إلى دمج الأفكار من الفلسفة التقليدية، وعلم الأعصاب، وعلم النفس لفهم السلوك البشري من منظور علمي عميق. يطرح المؤلف أن الطبيعة البشرية مبنية على أسس ثلاثة: العاطفية Emotional، اللاأخلاقية Amoral، الأنانية Egoism. هذه الأسس الثلاثة تشكل الدوافع التي تقود البشر في سلوكهم الفردي والجماعي.
يعتمد المؤلف على الفلسفة العصبية كنقطة انطلاق لتحليله، وهي مقاربة تستند إلى دمج نتائج علم الأعصاب مع الفلسفة لفهم السلوك البشري. الفكرة الرئيسية هي أن الدماغ، بما يتضمنه من آليات عصبية وكيميائية، يلعب الدور الأساسي في تشكيل القرارات البشرية والدوافع. بدلاً من الافتراضات المجردة حول طبيعة الإنسان، يقدم علم الأعصاب أدلة ملموسة حول كيفية عمل العقل وتأثير العواطف والتجارب الحسية على السلوك.
في الأساس الأول يقرر أن العاطفة تلعب دورًا محوريًا في اتخاذ القرارات البشرية. فهي القوة الدافعة التي تشكل كيفية استجابة الأفراد للأحداث والمواقف. العواطف ليست مجرد مشاعر سطحية، بل هي عوامل قوية تؤثر على قرارات الإنسان وسلوكياته، سواء بشكل فردي أو جماعي. كما يعرض الكتاب أن العواطف تعمل بالتوازي مع التفكير العقلاني، وتؤثر على تقييم المخاطر والمكافآت. والأساس الثاني مبني على أن البشر بطبيعتهم أنانيون، لكن الأنانية ليست سلبية دائمًا. فهي المحرك الأساسي للبقاء، وهي التي تدفع الفرد لتحقيق أهدافه الخاصة وحماية نفسه. ومع ذلك، يمكن أن تتحول الأنانية إلى قوة إيجابية إذا تم توجيهها نحو تحقيق التوازن بين مصالح الفرد والمجتمع. الروضان يشير إلى أن الأنانية يمكن أن تكون مشروطة بالتفاعل الاجتماعي والتعاون مع الآخرين لتحقيق الأهداف المشتركة.
بالرغم من أن البشر أنانيون بطبيعتهم، فإنهم يتعاونون مع الآخرين عندما يكون هذا التعاون يخدم مصالحهم الشخصية. التعاون في المجتمعات البشرية، سواء كان في إطار العمل الجماعي أو العلاقات الاجتماعية، ينبع من رغبة الأفراد في تحقيق مصالحهم الخاصة بشكل أكثر فعالية. هذا المفهوم يفسر كيف يمكن أن تكون الأنانية عاملاً إيجابيًا عندما يتم توجيهها نحو أهداف مشتركة. والأساس الثالث يركز على أن البشر ليسوا أخلاقيين بشكل ثابت أو مطلق. الأخلاقية البشرية تتغير وتتكيف مع الظروف الاجتماعية والبيئية. وهذا المبدأ يعكس أن الطبيعة البشرية قابلة للتكيف وأن الأخلاق لا تستند إلى قواعد ثابتة، بل تتغير بتغير الظروف الثقافية والتاريخية. هذه الأخلاقية المتغيرة تؤثر على كيفية تعامل الأفراد مع الآخرين وتحديد ما هو صحيح أو خطأ وفقًا للمعايير الحالية.
وفقاً لنظرية الروضان هناك خمسة دوافع أساسية تتحكم في سلوك الإنسان ويسميها P5. هذه الدوافع هي: القوة (Power)، الربح (Profit)، المتعة (Pleasure)، الأمان الجسدي (Physical Security)، والانتماء (Prestige). هذه العوامل تُعتبر أساسًا لفهم كيف يتحرك البشر ولماذا يسعون وراء أهداف معينة. يتم تقديم هذه النظرية كإطار لفهم الدوافع البشرية من منظور بيولوجي ونفسي، مشيرًا إلى أنها متجذرة في الطبيعة العصبية للإنسان. بالإضافة لذلك هناك دوافع خمسة أخرى وهي (البقاء، التكاثر، السلطة، المتعة، القبول الاجتماعي)، تركز هذه الدوافع بشكل أكبر على الأبعاد العاطفية البيولوجية للسلوك البشري.
العواطف، مثل الخوف، الفرح، أو الغضب، تنبع من أجزاء محددة في الدماغ مثل الجهاز الحوفي، والذي يتحكم في الاستجابات العاطفية. يشرح المؤلف معتمداً على أحدث الاكتشافات في علم الأعصاب، كيف أن الدماغ لا يتخذ قراراته بشكل مستقل عن العواطف، بل إن العواطف تشكل جزءًا لا يتجزأ من كيفية تفكير الإنسان. كما أن الأخلاقية المتغيرة يمكن فهمها من خلال عمليات التعلم العصبي التي تحدث في الدماغ. يتعلم الأفراد كيف يتصرفون بناءً على تجاربهم الاجتماعية السابقة وكيف يتم مكافأتهم أو معاقبتهم على سلوكيات معينة. هذه العمليات العصبية تفسر كيف يمكن للأخلاق أن تتغير بمرور الوقت. فيرى المؤلف أن السلوك البشري هو نتاج تطوري، حيث تطورت الدوافع الأنانية والعاطفية لتصبح آليات للبقاء على قيد الحياة. على سبيل المثال، الخوف من الخطر يساعد الأفراد على تجنب المواقف التي قد تهدد حياتهم، في حين أن الرغبة في المكافأة تدفعهم إلى البحث عن الموارد والفرص.
هذه الدوافع تمثل جزءًا لا يتجزأ من طبيعتنا العصبية وهي تساعد في توجيه سلوكنا اليومي. بالإضافة إلى التأثيرات العصبية، يشير الروضان إلى أن الثقافة والمجتمع يلعبان دورًا كبيرًا في تشكيل الطبيعة البشرية والدوافع. التعلم الاجتماعي والعوامل الثقافية يؤثران على كيفية تفسير الأفراد لعواطفهم وكيفية تفاعلهم مع الآخرين. هذا يعني أن الطبيعة البشرية ليست ثابتة بل تتأثر بالبيئة المحيطة والتفاعل الاجتماعي. وعلى المستوى الفلسفي، يقترح الروضان أن فهم الطبيعة البشرية من خلال العدسة العصبية يمكن أن يساعد في تطوير سياسات أكثر فعالية. بدلاً من افتراض أن البشر كائنات عقلانية بالكامل أو أخلاقية بشكل مطلق، فإن فهم الدوافع العاطفية والأنانية يمكن أن يساعد في صياغة سياسات تأخذ بعين الاعتبار هذه الجوانب المعقدة من النفس البشرية. على سبيل المثال، السياسات التي تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي من خلال تبني دوافع الأنانية المتعاونة والعمل على تحقيق توازن بين المصالح الفردية والجماعية.
أخيراً: يقدم المؤلف نظرة شاملة حول طبيعة الإنسان المعقدة من خلال دمج الفلسفة وعلم الأعصاب. فالبشر لديهم مزيج من (العاطفية، واللاأخلاقية، والأنانية) وأن هذه العناصر الثلاثة هي التي تقود سلوكهم. الروضان يسلط الضوء على أهمية فهم هذه الجوانب لتحقيق توازن بين المصالح الفردية والمجتمعية. الكتاب متوسط الصعوبة من حيث الفهم. ويعتمد المؤلف على المصطلحات العلمية والفلسفية المتقدمة، خاصة تلك المتعلقة بعلم الأعصاب والفلسفة. يستخدم مصطلحات تقنية مع ذلك، يتم شرح هذه المفاهيم بشكل منطقي ومنهجي، مما يجعله قابلاً للفهم للقارئ الذي لديه خلفية متوسطة في الفلسفة وعلم الأعصاب.
مؤلف هذا الكتاب هو نايف الروضان وهو عالم أعصاب، وفيلسوف، واستراتيجي جيوسياسي. حاز على عدة جوائز وتم التصويت له كواحد من بين أكثر 30 عالم أعصاب تأثيرًا في العالم. كتب 22 كتابًا و250 مقالًا. تلقى تعليمه في مايوكلينك، وجامعة ييل، وجامعة هارفارد. من خلال العديد من الكتب والمقالات المبتكرة، قدم مساهمات مفاهيمية هامة في التفاعل بين علم الأعصاب، الفلسفة، العلاقات الدولية، والسياسات. طبق هذا على دراسة الطبيعة البشرية، التاريخ، الأمن العالمي، الأمن الوطني، الجيوسياسة المعاصرة، الخطاب الثقافي، مستقبل العالم، المخاطر المتسلسلة على الحدود، أمن الفضاء الخارجي، البيولوجيا التركيبية، ما بعد الإنسانية، الذكاء الاصطناعي، كرامة الإنسان، الحوكمة المستدامة، الصراع، كيمياء الأعصاب للسلطة، والحرب والسلام. تمنح الأكاديمية البريطانية جائزة باسم «جائزة نايف الروضان للتميز في العلوم الإنسانية»، وتهدف إلى تكريم الأعمال التي تسهم بشكل كبير في تعزيز فهم أعمق للتفاعل بين الثقافات والحضارات، وكذلك تسليط الضوء على القيم الإنسانية المشتركة.