د. شاهر النهاري
سعدت بحضور مسرحية «مش روميو وجوليت» وهي قصة مستوحاة من مسرحية روميو وجوليت لوليام شكسبير، من إنتاج فرقة المسرح القومي بقيادة الدكتور أيمن الشيوي، وبطولة الفنان على الحجار، مع رانيا فريد شوقي، وميدو عادل، عزت زين، دنيا النشار، طه خليفة، آسر علي، طارق راغب، والمطربة أميرة أحمد وبشكل خلق فوق المسرح بطولات واعدة متعددة الأجيال والتنوع.
العرض من إخراج عصام السيد، وضمن صياغة شعرية لأمين حداد، وموسيقى وألحان أحمد شعتوت، واستعراضات متقنة من شيرين حجازي، وديكورات متناسقة من محمد الغرباوي، وإضاءة ياسر شعلان، والملابس من علاء جودة ومي كمال، والجرافيك بعين محمد عبدالرازق، وفوتوغرافيا من عادل مبارز، والدعاية محمد فاضل.
العمل يحاول استعادة روح المسرح القومي، والذي يعتبر مؤثرا شعبيا لثقافة الأصالة، وقاعدة أساس للأعمال الدرامية والكوميدية المسرحية، بعيدا عن جنون وميول السوق التجاري، ومما يستطيع كثير من الشعب تحمل ثمن التذكرة للاستمتاع بالحضور.
العمل كينونة ابداع تحاول المزج بين أفكار مدرسة المشاغبين، وعلاقات المدرسين بالطلبة، ودون أن نسمع أي كلمات نابية، ولكن المحور الرئيسي يصب بشكل عصري في تأطير عدة مشكلات مجتمعية وفكرية مصرية كان العمل يهدف لتغيير ما على أرض الواقع من تضارب في أفكارها، من علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة المسيحي بالمُسلِم، ومفهوم الوحدة الوطنية، كون الفن والمسرح يمثلان أفضل وأسرع وسيلة لتغيير المجتمعات وتوحيدها، وترقيتها من خلال كشف العيوب ومناقشتها فكريا ودينيا وسياسيا ومجتمعيا بشكل كان يمكن أن يكون أعمق، ولكن خشية تخطي الخطوط الحمراء تظل متضحة، فيستمر التلميح دون تعمق في الأسباب، كي لا يصطدم النص، مع الأطراف المتنازعة، وأهدافها، وتداعياتها.
عدد أفراد من شاركوا على خشبة المسرح كبير، وتميزت دقة قيادتهم في الأداء والاستعراضات الحية الراقصة، أو الغناء ما يدل على جهود عظيمة، نجحت المسرحية في توظيفها، خصوصا مع وجود الرتم الأساسي وقرار اللحن وهو صوت الفنان علي الحجار، الذي أضفى على مقاطع الحوار الغنائي الكثير من المساحات والإبداع.
توزيع الأدوار كان منصفا شاملا، فلم نشعر بتفرد نجم معين، الكل فوق الخشبة كانوا أبطالا يتنافسون على حب العمل وخفة الروح، ونشاط التعبير بالرقص، والانسجام، وكأنهم تدربوا لأوقات طويلة قبل بدء العرض.
المواضيع، التي تناقشها المسرحية حساسة جدا، وسط مجتمع مصري يغلب عليه الطيف الإيماني الأوحد، والمفاهيم المجتمعية والحدود، التي تحاول الانسجام مع القومية والوحدة الوطنية، في معظم العلاقات بين الطيفين، في رد السلام، والمعاشرة، والزواج المختلط بين أفراد الطائفتين، فكان مفهوم روميو وجولييت حب متخالف في الدين، ما استدعى التحذيرات، والتخويف، والعصبيات والمنع، ومحاولات فتح النوافذ المغلقة وربط شرفة جولييت بسلم روميو رغم مخاطر السقوط.
حوار بسيط مفهوم، تمكن من طرح الصورة الحاصلة اليوم بين الجانبين كما السير فوق الحبال، وبما يكون متسقا مع تعاليم الكنيسة، وهيمنة الأزهر، فكان الحوار يحاول النطق، ويخجل، بل ويضن بالمعاني لمنع وقوع الغلط.
المسرحية مظاهرة تمكن بين طلبة وطالبات ومعلمي ومعلمات المدرسة، وبأناشيد تهتف للحب والسلام، والإخاء، وتحاول أن تقف أمام زوايا التعارض والخلاف، والتي صورت بأشباح سوداء، ظلت تحاول زيادة مناطق الشرور، والإبقاء على الشروخ، والفرقة، والكره، والعنصرية.
جميل أن يتم تدارس ومعالجة الأمور الوطنية الحساسة فوق خشبات المسرح القومي المصري، الذي يأتي دوما من قلب المجتمعات، ولا شك أن كل الخلافات المطروحة في المسرحية قديمة متجددة، ولكنها تثير بعض الآراء المتحجرة، التي لا ترتضي أي حوار بالأفكار المنفتحة المتطلعة للحرية والتناغم المصري، بما يجب أن يكون.
ذكرتني هذه المسرحية بمسرحيات فيروز السياسية، والفكرية، والتي كان الرحبانية يقدمونها بحوارات غنائية بديعة، ورقصات مدهشة، وكانوا يضيفون إليها بعضا من بعض من روح وعظمة صوت فيروز، التي كانت بذاتها كلمة ومزار، ومنارة وأمل، ومحط أنظار، وإعجاز.
ولعل التشابه يأتي من جماليات الحركة على المسرح، وتقارب بعض الألحان، وتشابهها بما سبق وأن غنته فيروز، مثل «حنا السكران» و»كان عنا طاحون».
على الحجار أدى دورا جميلا قريبا من عمره، ولم يسخط قدره ولم يتصدر، ولم يسيطر، ولم يستحوذ على الافيهات واللزمات، فكان عاملا مساعدا للعمل ومحفزا للشباب، ودون أنانية الكبار، كما كانت ابنة الراحل فريد شوقي مؤدية للدور بطريقة راقية ومعرفة بقدراتها تُحترم على أساسها.
المواضيع الحساسة بين الأطياف الدينية والمذهبية، كانت تحتاج لمزيد من النقاشات، وبشكل أعمق، ودون استثارة حساسية المرجعية للديانتين، وبأهداف بلوغ الفهم القويم والتعايش، وتقدير حال الآخر، وتحديد نقاط الالتقاء وتكسير التابوهات، التي تذبح وتفتت المجتمعات.
العمل جميل جدا، وخطوة في مكانها لإعادة أدوار المسرح المصري القومي المجتمعية، والذي أخرج للمصريين والعرب قمم رواد المسرح العربي، وزرع الاحترام الفني، وربط الفن بالإبداع الحقيقي، وأوصل فن المسرح بكل احترامه وقدراته للطبقات المتوسطة، وحبب الشعب المصري بالفن الأصيل.
تحية شكر لكل من عمل بالمسرحية، وسوف ننتظر ونرى القادم، كون عمل واحد قدم لنا كل تلك المواهب الواعدة ينبئ عن تفجير طاقات متعددة من المبدعين، ولعل القادم أفضل.