سطام بن عبدالله آل سعد
برامجنا الرياضية لم تعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو التحليل، بل تحولت إلى «سيرك إعلامي» يغذي شغف الجماهير بالإثارة الفارغة. فكرة القدم، اللعبة التي يُفترض أن تكون للمتعة والتكتيك وللفكر الرياضي الراقي، أصبحت في بعض البرامج مجرد أداة لتضليل الرأي العام. دوري روشن، الذي كان من الممكن أن يكون منصة لرفع مستوى النقاش الرياضي، تم تجريده من قيمته وتحويله إلى مسرح للترويج للتفاهات والشحن العاطفي الذي لا يخدم الرياضة بأي شكل من الأشكال.
سطحية مكشوفة
كل موسم رياضي جديد يكشف عن مستوى جديد من الانحدار في التحليل الرياضي. برامج رياضية كاملة تُهدر الوقت في تضخيم قضايا تافهة، تترك الجماهير تدور في دائرة مغلقة من الجدال العقيم. أين هي التحليلات الفنية التي نحتاجها لفهم أعمق للمباريات؟ لماذا يُترك الجمهور الرياضي، الذي يستحق الأفضل، يتغذى على مواضيع سطحية لا علاقة لها بالواقع؟ هذا الإعلام يقتل روح التطور الرياضي في البلاد بشكل غير مباشر.
انحياز أعمى
في الوقت الذي يتطلب التحليل الرياضي نزاهة ومهنية، نجد بعض المحللين قد تحولوا إلى «مصفقين» لفريقهم المفضل، فاقدين أي إحساس بالمسؤولية تجاه المشاهدين. هؤلاء المحللون لا يساهمون سوى في تعزيز التحيز بين الجماهير، ويخلقون بيئة إعلامية سامية قائمة على الانحياز الأعمى.
السؤال هنا: هل أصبح هؤلاء المحللون غافلين لدرجة أنهم لا يستطيعون رؤية الحقيقة الواضحة؟ أم أن أجندتهم الخاصة لفرقهم أهم من التطور الرياضي؟
الهلال رمز أم سلاح
نادي الهلال، بإنجازاته وتاريخه العريق، أصبح مثل «المنقذ الإعلامي» لكل من يسعى للظهور على الساحة، سواء كان الحديث مدحًا أو نقدًا، يضمن هؤلاء المحللون لأنفسهم التفاعل والاهتمام باللعب على وتر الهلال. لكن السؤال العميق الذي يطرح نفسه: هل الهلال بالفعل هو مادة إعلامية جوهرية، أم مجرد أداة يستخدمها بعضهم لإخفاء ضعفهم المهني؟ لقد أصبح الهلال بالنسبة لهؤلاء المحللين «غطاءً» للفقر التحليلي الذي يعانون منه.
مؤججو الفوضى
المذيعون الذين يفترض أن يكونوا قادة الحوار أصبحوا في بعض الأحيان أكبر مروجين للسطحية والجدال الفارغ، بدلًا من طرح أسئلة تعمق التحليل وتكشف الحقائق، نجدهم يكررون نفس الأسئلة السطحية التي لا تغني ولا تسمن من جوع. إذا كان المذيع عاجزًا عن إدارة حوار بنّاء، فما الفائدة من وجوده؟ المشاهد الرياضي لا يحتاج لمزيد من الفوضى الفكرية، بل يحتاج إلى من يوجهه نحو الفهم العميق، لا نحو التضليل المستمر.
انتهى زمن العقل
الرياضة تحتاج إلى العقول، لا إلى الضجيج. الجمهور الرياضي لا يبحث عن الإثارة الفارغة، بل عن تحليل فني يستند إلى أسس علمية ومنهجية. لكن للأسف، نجد أن معظم المحللين اليوم قد تخلى عن هذا الواجب لصالح صراعاتهم الشخصية وتحقيق مكاسب إعلامية رخيصة. التحليل العميق بات عملة نادرة في الإعلام الرياضي، ما يتركنا نتساءل: هل انتهى عصر العقلانية في تحليل المباريات؟
الإعلام الرياضي في السعودية يقف على مفترق طرق، إما أن يرتقي إلى مستوى التوقعات ويصبح أداة حقيقية لتطوير الرياضة، أو يبقى غارقًا في دوامة السطحية والترويج للإثارة الزائفة. المحللون والمذيعون يجب أن يدركوا أن دورهم أكبر من مجرد ملء الهواء بالكلمات الفارغة؛ فهم قادرون على تشكيل مستقبل الرياضة، إذا استمروا في هذا الطريق المنحدر، فإنهم لن يكونوا سوى عقبة في طريق التقدم.