فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
عبدالعزيز هو روح من هذه الصحراء عاشت معه وعاش معها، ولونته بصفاتها وصدق معانيها، عكس ذلك قوله عشت خمساً وعشرين سنة في البراري، وتحملت وقاسيت وأصابني من ضربات السيوف ما جعل الحياة في نظري لا تساوي شيئاً أمام إعلاء كلمة الحق..».
أنا ترعرعت في البادية فلا أعرف آداب الكلام وتزويقه وتنميقه. ولكني أعرف الحقيقة عارية من كل زيف .. مؤمن بقوله: الإنسان يقوم على ثلاث فضائل: الدين والمروءة والشرف. وإذا ذهبت واحدة من هذه سلبته معنى الإنسانية.
ويقول عبد العزيز في الإنسان الذي يريده قواماً لهذه الدولة أريد رجالاً يعملون بصدق وعلم وإخلاص. حتى إذا أشكل على أمر من الأمور رجعت إليهم في حله وعملت بمشورتهم. فتكون ذمتي سالمة ويتحملون المسؤولية، وأريد الصراحة في القول. ثلاثة أكرههم ولا أقبلهم: رجل كذاب يكذب عليَّ متعمداً، ورجل ذو هوى ورجل متملق هؤلاء أبغض الناس عندي.
« رحم الله المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمة واسعة وجزاه الله عن البلاد والعباد عظيم الجزاء.. بدأ عبد العزيز بمسيرة إيمان حين يقول: أنا قوي بالله تعالى ثم بشعبي كتاب الله في رقابهم وسيوفهم بأيديهم يناضلون ويكافحون في سبيل الله، ولست أدعي أنهم أقوياء بعددهم وعدتهم ولكن إن شاء الله أقوياء بإيمانهم.. ويؤكد في قوله «دين محمد -صلى الله عليه وسلم دستوري وقانوني ونظامي وشعاري، فإما حياة سعيدة على ذلك أو موتة سعيدة ، ويعبر عن رؤياه وآماله في جزيرة العرب قائلا «إننا نبذل النفس والنفيس في سبيل راحة هذه البلاد وحمايتها من عبث العابثين، ولنا الفخر العظيم في ذلك أن خطتي التي سرت بها ولا أزال أسير عليها هي إقامة الشريعة السمحة، كما أنني أرى من واجبي ترقية جزيرة العرب، والأخذ بالأسباب التي تجعلها في مصاف البلدان الناهضة مع الاعتصام بحبل الدين الإسلامي الحنيف..
ويوضح نظرته في القيادة حين يقول: «إنني خادم في هذه البلاد العربية لنصرة هذا الدين، وخادم للرعية. إن الملك لله وحده، وما نحن الا خدم لرعايانا. فإذا لم ننصف ضعيفهم ونأخذ على يد ظالمهم وننصح لهم ونسهر على مصالحهم فتكون قد خنا الأمانة المودعة إلينا، ويكمل رحمه الله: «إننا لاتهمنا الأسماء والألقاب. وإنما يهمنا القيام بحق واجب كلمة التوحيد والنظر في الأمور التي توفر الراحة والاطمئنان لرعايانا.
إن من حقكم علينا النصح لكم في السر والعلانية، ومن حقنا عليكم النصح لنا فإذا رأيتم خطأ من موظف أو تجاوزا من إنسان فعليكم برفع ذلك إلينا لننظر فيه، فإذا لم تفعلوا ذلك فقد خنتم أنفسكم ووطنكم وولايتكم ويشهد الله عندما يقول اثنتان أحمد الله على واحدة منهما وأشكره على الأخرى، أحمده على أني أكره أهل الضلال وعلى كراهية أهل الضلال لي، وأشهد الله على محبة أهل الخير لي ومحبتي لهم».
ويرى في أمته: «كل أمة تريد أن تتقدم لابد لكل فرد فيها أن يقوم بواجبات ثلاثة أولها واجباته نحو الله والدين، وثانيها واجباته في حفظ مجد أجداده وبلاده، وثالثها واجباته نحو شرفه الشخصي».
لقد تكونت شخصية عبد العزيز وملكت شعبه ورعيته من خلال قربه منهم وإحساسه بهم ومشاركته لهم حين يقول: كل فرد من شعبي جندي وشرطي، وأنا أسير وإياهم كفرد واحد لا أفضل نفسي عليهم ولا اتبع في حكمهم غير ما هو صالح لهم..
ويثبت إحساسه بقوله: «يعلم الله أن كل جارحة من جوارح الشعب تؤلمني، وكل شعرة منه يمسها أذى تؤلمني، وكذلك الشعب إذا أصابني أي شيء، ولكن المصلحة العامة تضطرني أن أقضي على من لا يصغي للنصح والإرشاد، وأن أتجرع ألم ذلك حفاظاً لسلامة المجموع» ويقول معبرا لشعبه «إنني أعتبر كبيركم بمنزلة الوالد وأوسطكم أخاً وصغيركم ابناً، فكونوا يدا واحدة وألفوا بين قلوبكم لتساعدوني على القيام بالمهمة الملقاة على عاتقي».
لقد استمد عبد العزيز قوته من شعبه الذي طلب منهم أن يشاركوه الرأي، ويسدوا إليه الشورى التي حث عليها ديننا الحنيف، وأن يختاروا ما هو منهم أهل لذلك فيقول: دعوناكم لانتخاب أعضاء مجلس الشوري الجديد فالواجب يقضي أن لا ينقاد الإنسان في مثل هذه الحالة إلى قلبه لأن القلب يكون دائماً ميالا، يجب أن تنتخبوا الأكفاء من أهل الخبرة بحيث إذا قام هذا المجلس على أساس قويم نجني من ورائه الفوائد الجزيلة. يجب أن تنتخبوا من تعتقدون فيهم الإخلاص في العمل والقدرة على الدفاع عن حقوق الأهلين لأن الحكومة تأخذ حقها على كل حال، أما الأهلون فهؤلاء أعضاء مجلس الشورى هم الذين سيكونون وكلاء عن الشعب. فإن أحسنتم اختيارهم وانتقاءهم أحسن هؤلاء الدفاع عن حقوقكم فأحسنتم بذلك للبلاد والعباد».
ويوضح - رحمه الله أهم القواعد التي تبنى عليها الحكم والقيادة فيقول: «إن التباعد بين الراعي والرعية يدع مجالاً للنفعيين فيجعلون الحق باطلاً ويصورون الباطل حقاً، وحيث إذا لم يكن هناك صلة بين ولاة الأمور والأهلين وجاء أي شخص من أرباب المقاصد السيئة، وقال لولاة الأمور إن المسألة الفلانية كيت وكيت، فمن أين يعلم ولاة الأمور أن الأمر على الضد من ذلك؟ وأن هذا النفعي قد قلب الحقائق ؟ أما إذا اختلط الشعب مع ولاة الأمور فإن هؤلاء النفعيين والدساسين يخشون من مخاطبة أمرائهم بعكس الواقع. ويخافون أن ينكشف الغطاء فتعرف نياتهم السيئة.
لقد آمن برسالة أمته وافتخر بها حين قال: «إنني أفخر بكل ما يخدم الإسلام والمسلمين وأعتز بهم بل اخدمهم وأساعدهم وأؤيدهم إنني أحتقر كل من يحاول الدس على الدين وعلى المسلمين ولو كان من أسمى الناس مقاماً وأعلاهم مكانة». وقال: «إذا كان المسلمون في منعة من التعاضد والتكاتف فليس هناك قوة في مقدورها مهاجمتهم وإذلالهم، ويكمل رحمه الله: «إن المسلمين ينقصهم معرفة الزعماء والأشخاص ونفسياتهم لأن هنالك أشخاصا من المسلمين يتظاهرون بالغيرة والتضحية وهم في حقيقة الأمر على ذلك يتظاهرون بالغيرة ويسعون في الخفاء لتنفيذ مآربهم الشخصية والتجسس على حال إخوانهم، وهذا أمر يؤسف: لأن الأضرار التي لحقت المسلمين والعرب جاءت من هذه الطريقة.
آمن عبد العزيز وصدق عبد العزيز حين قال: «إني أجاهد لإعلاء كلمة التوحيد والحرص عليها، وأحب أن أراها قائمة ولو على يد أعدائي، وإن تمت على يدي فذلك فضل من الله وكل عمل لا يتم إلا بالإخلاص والتضحية للمسلمين واجبة، وقد قيل: الدين النصيحة، ومن عمل ذلك وجاهد أدى ما عليه ويقول تغمده المولى برحمته. اننا جميعاً أعضاء في جسم واحد فإذا مرض عضو وجب علينا أن نسهر جميعاً له، والعضو المريض الآن الذي يحتاج إلى إسعاف عاجل وعناية تامة هو فلسطين لإنقاذها من طغيان الصهيونية، وسأقدم شعبي للاستشهاد في سبيل عروبتها، وهذا هو ما قلته للرئيس روزفلت في مقابلتي له بالسويس».
فعبد العزيز رجل الإسلام والسلام رأى في تعاليم دينه أسمى المعاني يظهر في قوله «إن القوة أول التدهور والانخداع، بل في العدو الأكبر للنفوس المغوية للبشر». كذلك يقول: لست من المحبين للحرب وشرورها. وليس أحب إلي من السلم والتفرغ للإصلاح» ويؤكد رحمه الله لا يسأل أحد عن مذهبه أو عقيدته، ولكن لا يصح أن يتظاهر أحد بما يخالف اجتماع المسلمين أو يثير الفتنة».
رحم الله المؤسس الباني، وأمد في عمر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده لإكمال المسيرة التي سار عليها أسلافهم في خدمة بلادنا وإنسانها وأمتينا العربية والإسلامية، وحفظ الله بلادنا من كل شر.
وأدام علينا نعمة الأمن والأمان، إنه سميع مجيب الدعوات.