عبدالكريم بن دهام الدهام
إن من فضل الله سبحانه وتعالى علينا ورحمته أن منحنا نعمه الظاهرة والباطنة، وامتن علينا بنعمه التي لا تعد ولا تحصى؛ من سلامة العقيدة، والأمن والأمان في الوطن، والرزق للعباد، وفعل البر والخير وبذله.
قال الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -: «الإنسان يقوم على ثلاث فضائل: الدين والمروءة والشرف. وإذا ذهبت واحدة من هذه، سلبته معنى الإنسانية».
وقال أيضاً: «أنا وأسرتي وشعبي، جند من جنود الله، نسعى لخير المسلمين» وقال أيضاً: «إنني أفخر بكل من يخدم الإسلام ويخدم المسلمين، وأعتز بهم، بل أخدمهم وأساعدهم وأؤيدهم».
وإن ولاة الأمر في هذا الوطن ملتزمون بفعل الخير ومد العون لكل محتاج وإغاثة الملهوف في عموم الوطن ودول العالم، كما فتحوا أبواب الخير للناس وشجعوا على فعله.
مولد الإنسانية
قبل 94 عاماً قدَّم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - لشعب المملكة هدية بالفعل ليست تُهدى ولا تباع، تمثلت في هذا التوحيد الذي أبرز لنا معالم الطريق، وقد خرج من رحم الفرقة والتشرذم والسلب والنهب التي أحس بمرارتها جميع من اكتوى بنارها في زمن ما قبل التوحيد والوحدة، وجاء الوقت الذي تمكَّن فيه وسكن، ونتلمس المشروع البديل في قوة التوحيد والوحدة اللذين ذاعا ظلالهما في جميع مسافات الوطن شرقاً وجنوباً وشمالاً وغرباً.
ولم يغادرنا الملك المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - إلا بعد أن زاد عود التوحيد والوحدة واشتد صلابة واستفاضت جذوره في قلوبنا، فأصبح جزءاً من الهواء الذي نستنشقه كل يوم لنتنفس ونعيش، فنتذكر باني هذا الكيان الذي أثمر في غضون سنوات قليلة الحضارة والثقافة والعمران في إنسان المملكة العربية السعودية قبل بنيانها.
توحيد هذا الوطن أصبح بحقّ وحقيقة هو أثمن هدية قدمها قائد فريد لشعبه ووطنه، الأنموذج الذي امتدحه المعاصرون من العلماء في مجال السياسة، لأنه ظهر إلى الوجود حين كانت الأمة العربية والإسلامية تعيش التجارب بعد الأخرى لضم الشمل وجمعه، إلا أن جميع المحاولات أضحت بالفشل وكان الخوف من فشل مخطط التوحيد والوحدة كان منطقياً لمن يتمعن بتفاصيل تجربة الأيام الأولى من عمر التوحيد والوحدة، إلا أن إرادة الملك المؤسس الراحل - طيب الله ثراه - حالت دون الوقوع في أخطاء التجارب الأخرى، حيث اتفقت العزيمة العليا والإرادة القصوى مع حاجة الشعب إلى التلاحم والتكاتف والانصهار، فكانت النتيجة في توحيد ووحدةٍ قدمت مصالح المستقبل على المصالح الآنيّة.
لقد قدَّم التوحيد لشعب المملكة الكثير وتحققت منجزات من الصعوبة حصرها على العجالة، وجدير بنا أن نحافظ على حسن إطلالة وإشراق وبهاء هدية الملك المؤسس الراحل، ولا ندع مجالاً لتغيير أو إزالة أي جزئية منها، ولا نترك مساحات فارغة يتسلل إليها المغرضون والمتربصون لهذا المنجز البديع والتجربة الفريدة تشكيكاً في قدرته على الاستمرار للمزيد من العطاء والإنجاز، وضمان قوة ولاء وانتماء جميع الشعب لاحتواء أية نبرة فيها تراجع أو تردد أو تخاذل أو تخوين عن الأهداف العالية والراقية لهذا المشروع، الذي يشكّل الحضارة في أسمى معانيها.
مسيرة الخير
الخير في وطننا الحبيب يبدو مثل النهر الجاري، فلا يزال يستمر من عهد الوالد الملك الموحِّد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه -، وحتى العصر الحاضر في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظهما الله -، اللذين أدركا أهمية عمل الخير وتأثيره في المجتمعات، وقدرته على غسل أفعال الناس بماء السلام والأمان والطمأنينة.
وعلى مدار الزمن نهجت المملكة خطاً رائداً وأسلوباً متميزاً وآلية فريدة في تعزيز أوجه العمل الخيري، وتمكنت من النجاح في تبديل مساره إلى عمل مستدام بتأثيره، وثقافة راسخة رسوخ الجبال لدى جميع أفراد المجتمع، إذ تمنح المملكة العمل الخيري عناية كبيرة، وذلك بجعله قيمة إنسانية يستند إلى البذل والعطاء بكافة أنواعه، وأضحت مملكتنا اليوم من الدول القليلة، التي حوّلت مضمون الثروة إلى فكر ومشاركة إنسانية تحيط العالم بأكمله.
الخير في المملكة صار منهج حياة تمارسه المؤسسات في هذا الوطن، سواء أكانت حكومية أو من القطاع الخاص، التي تعمل اعتماداً على قاعدة «الخير بالخير»، فلا تكاد تتوقف عن مد يد التكاتف والتعاضد إلى الدول، وأبناء المحتاجين في اتجاهات الأرض جميعها، من دون النظر إلى دين أو عرق أو جنسية أو لغة، وقد كان منها عطاؤها في مواساة المكلومين في اليمن، وكفكفة دموع المتضررين من سيول باكستان، وموجات جفاف الصومال، وزلزال تركيا وسوريا، وقد عاين الجميع تضامنهم الفريد مع حملة التبرعات الشعبية للشعب السوداني، والشعب الفلسطيني في غزة.
مركز الملك سلمان
للإغاثة والأعمال الإنسانية
يسعى مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية من خلال رؤيته لأن يكون مركزاً دولياً رائداً للأنشطة الإغاثية والإنسانية، وذلك من خلال تطبيقه أعلى المعايير العالمية في هذا المجال وكذلك أفضل الممارسات المتعلقة بالحوكمة، ويرتكز على قيم أساسية تتمثل في الحيادية والشفافية والجودة والاحترافية والمبادرة والإبداع وبناء الشراكات ودعم المجتمعات.
وقد قدمت المملكة العربية السعودية من خلال هذا المركز أكثر من 130 مليارًا و34 مليون دولار أمريكي كمساعدات إنسانية وإغاثية خلال الفترة بين 1996 - 2024م، استفادت منها 170 دولة حول العالم.
برنامج التوائم الملتصقة
اعتماد الأمم المتحدة يوم الرابع والعشرين من نوفمبر يوماً عالمياً للتوائم الملتصقة تقدير دولي جديد لوطننا، واعتراف عالمي بمنجزات المملكة العربية السعودية الحضارية، ودورها الريادي على مدى الثلاثين عاماً الماضية في صناعة مستقبل العمل الإنساني ومأسسته، ومشاريعه وجهوزيته العالية، التي أهلته لتجاوز جميع التحديات، وتبنِّي التوجهات والفرص والخطط للبشرية في جميع دول العالم.
المنجز التاريخي الكبير، باعتماد يوم 24 من نوفمبر يوماً عالميّاً للتوائم الملتصقة من قبل الأمم المتحدة، والذي سيواكب تنظيم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مؤتمرًا دوليًّا تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - في شهر نوفمبر المقبل بمدينة الرياض، ترجمة حقيقية للدور الحيوي الذي أصبحت تلعبه المملكة على المستوى العالمي في رسم المستقبل الصحي والرفع من جودته وكفاءته بالابتكار والإبداع، وكذلك التفوق الطبي، التي ثبَّت وطننا، برؤية القيادة الرشيدة، ركائز نموه وانطلاقه منذ تأسيسه، وأصبح اليوم محركاً رئيساً في ازدهاره تماشياً مع رؤية المملكة الطموحة 2030، حتى باتت النجاحات الصحية التي تأتي يوماً بعد يوم تشكل واحدة من الأمثلة الحضارية المشرقة للمملكة.
ولابد من القول بأن منهج المملكة في استشرافها للمستقبل كان ولا يزال ثقافة مترسخة ومنظومة شاملة، يعيشها أبناء الوطن، التي لا ترى في سباق التفوق والريادة خطَّاً للنهاية، كما لا ترى في سباق الخير والعطاء على مستوى العالم مقياساً للنظر في تباين الديانات والسياسات.
وقد تمكن البرنامج السعودي لفصل التوائم الملتصقة خلال 30 عاماً أن يعتني بـ 135 توأماً سيامياً من 25 دولة من الدول الشقيقة والصديقة عبر إجراء 61 عملية، بواسطة فريق طبي وجراحي ماهر يترأسهم المستشار بالديوان الملكي المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية رئيس الفريق الطبي والجراحي في عمليات فصل التوائم السيامية الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة.
مقومات ذلك التفوق، كما يؤكد سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بقوله: «لدينا عقليات سعودية مبهرة ورائعة جداً، خاصة في جيل الشباب، طاقة قوية شجاعة، ثقافة عالية، احترافية جيدة وقوية جداً»، يضعنا اليوم أمام ذلك التقدير الأممي أمام مسؤولية أكبر في تنمية قدراتنا في جميع المجالات، لنكون مثالاً لصناعة المستقبل ومسايرة متغيراته، والاستفادة من فرصه أمام دول العالم.
والرابع والعشرين من نوفمبر، من كل عام، سيكون احتفاء لنا بالشعور الإنساني النبيل لقيادتنا الحكيمة، واحتفالاً للعالم باستشراف المستقبل الصحي، وبهمم وطموحات وطننا الكبير «المملكة العربية السعودية» العالية في رحلته نحو تقديم الخير للإنسان أينما كان، وكل عام ووطننا بخير ومستقبلنا الإنساني والخيري أفضل وأكبر وأعظم.
الختام
نسأل الله تعالى أن يرحم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وأن يسكنه فسيح جناته، وأبناءه الملوك من بعده، وأن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وأن يوفقهم لما فيه الخير، وأن يجزيهم خير الجزاء على ما يقدمونه للإنسانية جمعاء، وأن يحفظ هذا الوطن، ويديم عزه ومجده.