حسن غالب
قبل 94 عاماً كان الملك الظافر عبدالعزيز - رحمه الله - قد أرسى قواعد وحدود دولة العرب في عودتها الماجدة للمرة الثالثة، الأجيال الجديدة أو كثير منها يعرفون هذا الموعد لكنهم ليسوا على دراية كافية بما كان قبله.
انطلق الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - لاستعادة مُلك آل سعود هذه الأسرة الكريمة التي أبت العيش في جزيرة العرب تحت أي ظلال غريبة، كما رفضت المهادنة أو اقتطاع أجزاء من الأرض مقابل العودة عن هدف توحيد العرب تحت دولة عربية وقيادة عربية.
حينما نقول ان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - استعاد هذا المُلك فذلك لأننا نود الإشارة إلى الدولتين السعوديتين الأولى والثانية واللاتي سقطتا نتيجة للاستهداف الخارجي، ولأنهما انطلقتا من أهداف سياسية تتمثل في عودة الحق العربي في حكم أرضه وبلاده، وهذه تفصيلة صغيرة في سيرة أعظم دولة عربية تأسست في التاريخ العربي، ولم يمحها السقوط بل كان حافزاً عظيماً للعودة بقوة أكبر ومرونة أعلى.
انطلقت الدولة السعودية واستمرت من أفكارٍ عربية وإسلامية وأهدافٍ عربية وإسلامية، لم تتأثر بالاشتراكية مثلاً حينما كانت تلمع في أقاليم عربية وعالمية، بل كانت المملكة ترقب من بعيد سقوط الأفكار التي ليست بنت بيئتها، وفوق ذلك كان السعوديون يتحملون الأذى الكبير من هنا وهناك لأنهم لم ينخرطوا في الغوغائية الفكرية التي غزت العرب القرن الماضي.
ولأن المملكة رفضت الاحتلال العسكري فقد رفضت أيضاً الاحتلال الفكري مهما كان مغرياً للناظر السطحي، فقد كانت الأفكار التأسيسية في المملكة العربية السعودية متجذرة لا تهزها رياح الأفكار التي حاول الآخرون استزراعها خطأً في بيئة عربية.
لقد تغير الجميع من اليمين إلى اليسار ومن الشرق إلى الغرب، وظلت السعودية ثابتة، فكانت كعبة العرب السياسية يلجؤون إليها في الملمات، ويستظلون بظلالها العظيمة في الأحداث الكبرى، كما هي حاضرة دوماً في قضايا العرب بثقلها ومالها ودبلوماسيتها ولم تتوان لحظة عن تسخير كل تلك المكانة الدولية لخدمة القضايا العربية، لتصبح تلك سياسة سعودية متجذرة منذ التأسيس ، الالتحام بالعرب والمسلمين ونصرة قضاياهم.
وضمن هذه الخطوط العامة كان التغيير يحدث في السعودية بشكل مدروس، يتفاعل مع البيئة الفكرية والاجتماعية والثقافية لسكان المملكة، وينطلق من حاجاتهم الحقيقية لا المتوهمة، ومن هذه المنطلق قاد صاحب السمو الملكي الأمير الشاب محمد بن سلمان ولي العهد التغيير الكبير الذي جمع بين الخصوصية السعودية، والانفتاح على العالم المعاصر.
وكعادة المملكة عندما تتخذ قراراً لخطوات جديدة، تأبى إلا أن يكون لها السبق في الميادين الجديدة، فها هي السعودية اليوم وفي عامها الرابع بعد التسعين تكثف حضورها على جميع المستويات والفعاليات العالمية، من السياسة إلى الاقتصاد ومن الرياضة إلى الترفيه، ومن التعليم إلى الاختراع والابتكار، بتطلع شامخ وعزيمة ثابتة وهمةٍ عالية نحو القمة، والواقع يشهد أن أحلام السعوديون تتحقق.
***
- صحفي يمني