أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
شَعَرَ الإمام عبدالرحمن أن إمارته في الرياض مهددة من قبل الأعداء، فقرر الخروج من الرياض مع أسرته وابنه الذي لم يبلغ سن الشباب عبدالعزيز بن عبدالرحمن، وكان اتجاهه إلى الخرج، فلما وصل إلى الخرج رأى أن الإقامة في الخرج منوطة بالمخاطر، فأعداء آل سعود يبحثون عن المؤثرين من آل سعود في الخرج، عند ذلك قرر الاتجاه إلى الجنوب الشرقي، ولكن أين يتجه؟ الأتراك في الأحساء فالانصراف عنها أفضل من الاتجاه إليها، تعددت الرؤى فكانت صحراء الجافورة هي مقصد الإمام عبدالرحمن، ولكن كيف تقيم أسرته بين كثبان الرمال وصوب الرياح، فإذا كان الإمام عبدالرحمن قد ألف الصحراء وقسوتها، وابنه عبدالعزيز نشأ على الصبر وعانى مشقة الطريق فتجلد، فكيف بصبر أسرة الإمام عبدالرحمن التي لم تألف مثل هذا العيش، إنها محنة يعانيها العظماء فيحتملونها، عاش الإمام عبدالرحمن وابنه عبدالعزيز وأسرته في صحراء الجافورة ينعمون بالأمن، فهم في مأمن من عيون الأعداء والأتراك يغضون الطرف عمن لم يشهر السلاح في وجوههم، ولكن العيش القاسي في الصحراء له أمد. فبدأت الاتصالات بين الإمام عبدالرحمن وحاكم قطر التي انتهت باستضافة الإمام عبدالرحمن وأسرته، فانتقل الإمام عبدالرحمن وأسرته إلى قطر، واستقر فيها، ولكن أخبار نجد لا تصل إليه بسهولة، فالأتراك في الأحساء والطريق من قطر إلى الخرج في يد الأعداء مع أن سلوك هذا الطريق محفوف بالمخاطر، وبعد إقامة الإمام عبدالرحمن في قطر فترة من الزمن فكر في الذهاب إلى الكويت، فرأى أن الانتقال إلى الكويت منوط بمرور البحرين، فبدأت المراسلات بين الإمام عبدالرحمن وحاكم البحرين التي انتهت بقبول حاكم البحرين استضافة الإمام عبدالرحمن، فقرر الإمام عبدالرحمن الانتقال من قطر إلى البحرين، فوصلها واستقر فيها، وكان هدفه الكويت ميناء نجد، ومستقر أخبارها وهدف تجارها، فالجادة عامرة بين نجد والكويت، فتجار نجد هم همزة الوصل بين نجد والكويت، فالأخبار تصل تباعاً في كل يوم، ولكن الإمام عبدالرحمن في حاجة إلى معرفة الأحداث التي جرت في الكويت بين أمير الكويت مبارك الصباح وأخويه محمد وجراح، وهل ما زالت الأمور في شد وجذب بين أفراد أسرة الصباح أم أن الأمور قد استقامت لمبارك الصباح واستقام الأمن في الكويت؟.
وبعد أن تحقق الإمام عبدالرحمن من استقامة الأمر لأمير الكويت مبارك الصباح راسله في شأن قدومه إلى الكويت، فرد مبارك الصباح بالترحيب بالإمام عبدالرحمن، عند ذلك انتقل الإمام عبدالرحمن مع أسرته وابنه عبدالعزيز إلى الكويت، فاستقر الإمام عبدالرحمن في الكويت، وكان الشاب عبدالعزيز في سن تؤهله لمقامات الرجال، فكان مع والده عبدالرحمن يحضران مجلس الأمير مبارك الصباح.
ذات يوم كان عبدالعزيز بن عبدالرحمن في المجلس، فسمع رئيس قبيلة في المجلس يتحدث عن الغزو وأن لديه نية في غزوة، ولكنه في حاجة إلى شراء قهوة ولوازم ذكرها، فلما سمع عبدالعزيز حديث الفارس اشرَأَبَّ إلى الغزو، فخرج من المجلس واصطحب خادمه وذهب إلى السوق، فاشترى القهوة واللوازم التي ذكرها الفارس ورجع إلى المجلس وأمر الخادم بوضع القهوة واللوازم أمام الفارس، وعندما انفض المجلس سأل عبدالعزيز الفارس عن شأن الغزو، فقال الفارس إذا كان لديك رغبة في الغزو فالموعد الماء الفلاني في اليوم الفلاني في الشهر الفلاني، فغزا الشاب عبدالعزيز بن عبدالرحمن وهي أول غزوة له، وكانت تجربة فتحت له الطريق في ملاقاة الصعاب، فتعرف على مسالك الصحراء وركوب الصعاب ووسائل النجاح في الحروب وأن الحرب مهنة فئة من الناس يعيشون عليها، ولا يستصعبونها فآجالهم مقدرة سواء كانت في حرب أم في غيره، وقد عاد إلى الكويت ظافراً بعد أن خاض أول تجربة حربية في حياته.
تتأزم الأمور في الكويت بسبب التهيؤ لحرب الصريف، ويخرج الشاب عبدالعزيز بن عبدالرحمن متجهاً إلى الرياض ليعيدها إلى حكم آل سعود ما دام ابن رشيد منشغلاً بحرب الصريف، وبعد الوصول إلى الرياض تصله الأخبار بهزيمة مبارك الصباح في الصريف فيؤجل فتح الرياض إلى السنة القادمة، وقد بدأ في الاستعداد لفتح الرياض، فبدأ في الاتصالات بالمخلصين لآل سعود ومن أهمهم رجال آل سعود من آل جلوي، ثم رجال من أهل الرياض والدرعية ثم آل شوية من سبيع، وكانت الاستعدادات لفتح الرياض تجري في (أبا الجفان)، وعندما حدد عبدالعزيز بن عبدالرحمن يوم مهاجمة الرياض لم يخبر به إلا آل جلوي وقلة من رجاله، وحان الموعد وتقدم الشاب عبدالعزيز من (أباالجفان) متجهاً إلى الرياض، وأبقى جيشه البالغ ألفاً وخمسمائة رجل معظمهم من آل شوية من سبيع، وتقدم إلى الرياض في ستين رجلاً ولما وصل إلى (أبومخروق) أبقى فيه أربعين رجلاً، وتقدم إلى الرياض وحقق الله آماله حيث قتل (عجلان) وأعاد الرياض إلى حكم آل سعود، وجاء من كان في (أبومخروق) ثم من كان في (أباالجفان)، وشارك الجميع في بناء سور الرياض مع من انضم إليهم من أبناء الرياض، وكانت بداية ضم القرى القريبة من الرياض تبدأ من الجنوب، فضمت منفوحة ثم الحائر ليكون الطريق إلى الخرج ممهداً وضمت الخرج ثم تتابع وفود القرى إلى الرياض معلنين الطواعية.
وبدأت الحروب بين ابن سعود وابن رشيد في سدير والوشم والقصيم، ولكنها تنتهي بانتصارات بن سعود وضم الأقاليم الشمالية إلى الدولة السعودية، أما الأقاليم الجنوبية فإنها انضمت طواعية وتوسعت الدولة السعودية فحصلت حروب في عسير انتهت بانضمام عسير إلى الدولة السعودية، وبدأ الأمر في حسم إمارة حائل ففتحت حائل، وأصبحت الطرق سالكة إلى الشمال مما سهل انضمام الجوف وعرعر إلى الدولة السعودية، وفتحت المدينة ثم فتحت الطائف ثم مكة وحوصرت جدة ثم سلمت، وبرزت حركة الإخوان فمسحها الملك عبدالعزيز بالانتصار عليهم في السبلة وانضمت نجران، ثم انضمت جيزان فأعلن توحيد المملكة في سنة 1351هـ.
ولم تؤثر حركة ابن رفادة في الشمال الغربي من المملكة على الرغم من أنها مدعومة من الدول المجاورة، فعالجها الملك عبدالعزيز باللين في أولها ثم بالشدة التي قضت عليها، واستقام الأمر بعد ذلك للملك عبدالعزيز، فساد الأمن في أرجاء المملكة مما أتاح للتجارة أن تنشط وللمعيشة أن تتحسن، فالإبل والأغنام في مراعيها آمنة، والقتال بين القبائل زال، والتنافر بين القرى انخفضت حدته، فتفرغت الدولة للبناء والتعليم والتطعيم ضد الجدري الذي يفتك بالصغار في كل سنتين أو ثلاث، ويُنعِمُ الله على البلاد باكتشاف النفط فيصبح رافداً بجانب الزراعة والرعي، لأن النفط عند أول تدفقه قليل وسعره مُتّدنِّ، ولكنه مع ذلك ساعد في فتح المدارس والمستوصفات والمستشفيات ثم الجامعات، بدأ التعليم في آخر أيام الملك عبدالعزيز وتوسع في عهد الملك سعود، وفتحت مدارس البنات في عهد الملك فيصل، أما الصحة فبدأت في التوسع في عهد الملك سعود حيث فتحت المستوصفات في كل قرية، أما المعيشة فكانت متدنية في عهد الملك عبدالعزيز بسبب شح موارد العيش واتجاه الدولة إلى تثبيت الأمن، وقد تحسنت في عهد الملك سعود، إلا أن السكن لم يتحسن، أما النقلة المعيشية والإسكانية فهي في عهد الملك خالد حيث ضوعفت الرواتب وأُقرِضَ الناس لبناء مساكن صحية، فعرف الناس العيش الذي يطمحون إليه والسكن الذي تتوافر فيه المرافق الصحية، أعز الله الدولة السعودية التي تمر بها الأزمات فتصمد لها وأهمها حرب الخليج وما صاحبها من التزامات مالية أثرت على اقتصادها حيث لحق الضرر معظم الناس في تجارتهم وممتلكاتهم، فاجتازت الدولة تلك الأزمة بحسن التصرف مع الجيران والدول الكبرى المؤثرة في المنطقة وفي العالم أجمع.
أعز الله دولتنا وعلى رأسها قائد المسيرة الملك سلمان بن عبدالعزيز فهو راعي نهضتنا المنظورة فهو ابن الرياض، والرياض في قلبه عاصرها قرية كبيرة ثم مدينة صغيرة، وها هو اليوم يشهدها مدينة تمتد من جبال طويق غرباً إلى جبال العرمة شرقاً، رعاها أميراً يشرف عليها ويقف على تجديد قلب الرياض بنفسه، ثم يرى هذا الحي قد انتعش، فالتجارة عادت إليه والحركة دبت فيه، وها هو اليوم ملكاً للمملكة العربية السعودية يرعى مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والدمام وأبها وجيزان ونجران وعرعر وسكاكا وحائل، وكل مدينة وقرية فهي في رعاية الملك سلمان، يشهد اليوم الشركات تتسابق إلى الرياض وجدة وغيرهما، فالتطور متتابع والبناء منظور والتعليم ينافس التعليم في الدول التي سبقت المملكة في المدينة والأخذ بسبل التطور.
أعز الله الملك سلمان وولي عهده وأرشدهما إلى ما فيه عز المملكة العربية السعودية وبنائها وتطورها، فنحن نعتز باليوم الوطني فهو يوم تذكر الأمجاد أمجاد المؤسس الملك عبدالعزيز وأمجاد ملك البناء الملك سلمان.