د. عيد بن مسعود الجهني
حب الوطن من الإيمان.. فهو المكان الذي يمنح الإنسان الإحساس بالأمان والاستقرار والعزة والرفعة والكرامة.
حب الوطن هو من الفطرة التي فطر الناس عليها.
على أرض الوطن يشعر الجميع بالأقدام الراسخة التي تتحدى كل أمر عسير.
وأحب الأشياء إلى النفوس وأقربها إلى الأفئدة هي الأوطان..
الواجب الديني يفرض على الجميع الحفاظ على أمنه واستقراره وماله وثرواته والوفاء له وصيانة مقدراته.
الإسلام حرص على تكريس حب الوطن.
هذا الحب هو البوصلة التي تنير الطريق لأهل الأوطان لبناء أوطانهم وإعمارها والدفاع عنها باذلين الغالي والنفيس من أجلها.
قدوتنا في حب الوطن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم- في بداية بعثته وحين هجرته.
الرسول - صلى الله عليه وسلم- قدَّم لنا درساً عظيماً في حب الوطن عندما خرج من مكة المكرمة مهاجراً إلى المدينة المنورة بكى ونظر إلى مكة المكرمة نظرة حزينة.
لقد سكن حب الوطن وتوطن في قلب الرسول صلوات الله وسلامه عليه رغم أنه واجهته مصاعب ومواقف شداد ومخاطر عظيمة من أهل وطنه مكة المكرمة.
وقد جاء في السيرة النبوية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لما بلغ الجحفة وهو في طريقه إلى المدينة، اشتد حنينه وشوقه إلى مكة، فأنزل الله عليه قرآنا ليطمئنه، (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) القصص 85.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقف على الحزورة فقال: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك) رواه البخاري.
إذاً، المواطن كل إنسان ينتسب إلى بلده الذي ولد ونشأ فيه واستقر فيه وأصبح موطن أمنه واستقراره، وحقه في الحياة يتحمل أمام خالقه أمانة الحفاظ والذود عن سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه.
ولذا، فإن من يقدم على مخالفة ذلك يعتبر منتهكا لميثاق المواطنة.
وهذا ما تؤكد عليه الرؤية:
(أننا نفخر بإرثنا الثقافي والتاريخي السعودي والعربي والإسلامي، وندرك أهمية المحافظة عليه لتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ القيم العربية والإسلامية الأصيلة.
سنحافظ على هويتنا الوطنية ونبرزها ونعرف بها، وننقلها إلى أجيالنا القادمة، وذلك من خلال غرس المبادئ والقيم الوطنية، والعناية بالتنشئة الاجتماعية واللغة العربية).
هذا المفهوم الشامل للمواطنة في ظل الدولة التي تأسست طبقا لأركان حددتها الشريعة الإسلامية والقوانين الدولية
ومنها القانون الدولي العام، القانون الدستوري وتتمثل في الشعب، الإقليم المحدد، السيادة، السلطة الحاكمة.
ويعد فتح الرياض حدثا ضخما ارتجت له أركان الجزيرة العربية، وأساس لدولة سيكون لها اسمها الكبير وأثرها البالغ، ومكانتها العالية، ولم تكن مهمة استردادها مهمة سهلة، فقد كان دونها خرط القتاد، ولعل أول أسباب النصر ان تلك المعركة كانت انتصارا للدين، وقد وعد الله ان ينصر من ينصره فقال: (انْ تَنْصُروا اللهَ يَنْصركُمْ ويُثَبّت أقْدَامَكُم) محمد - الآية 7 ، وهذا أعلى مسمى للوطنية الحقة فمن أجلها ومن أجل توحيد البلاد كانت البطولات والجهاد لأكثر من ثلاثة عقود ليعلن الملك عبد العزيز رحمه الله عام 1351هـ اسم المملكة العربية السعودية.
وأصدر الأمر الملكي رقم 2716 تاريخ 17-5-1351هـ الموافق 18-9-1932م الذي نص على انه اعتبارا من يوم الخميس 21-5-1351هـ الموافق 22-9-1932م.
يصبح اسم المملكة العربية السعودية ويصبح لقبنا بعد الآن (ملك المملكة العربية السعودية).
ونصت المادة الثامنة: (أننا نختار يوم الخميس الموافق 21 جمادى الأولى سنة 1351هـ الموافق اليوم الأول من الميزان يوما لإعلان توحيد المملكة العربية السعودية) ونسأل الله التوفيق.
إذاً، يمثل تاريخ توحيد البلاد عام 1351هـ الركيزة الأساسية لرسم الخطوط العريضة لخطوات جريئة لدفع عملية (القوة) السياسية والعمل الصالح وحب الوطن الموحد والتطلع لمستقبل مشرق، ومجتمع يدرك أنه أصبح مسئولا عن صنع نفسه بنفسه ويسير خطوات سريعة نحو التقدم والنجاح.
فالوحدة تحققت، والأمن والاستقرار أصبح واقعا والمناخ السياسي أصبح حقيقة أيضا، والريادة الإبداعية والاستثمارية الاجتماعية هي الأخرى أصبحت هدفا رئيسا يبرز الحياة في وطن مستقل تكونت لدولته كل أركان الدولة الحديثة.
ومع بزوغ شمس النفط صاحب الأيادي البيضاء زادت إيرادات البلاد من هذه السلعة التي أصبحت اليوم أغلى وأهم سلعة عرفها التاريخ الإنساني، لذا زاد حجم إيرادات الدولة؟
من هنا، بدأت مسيرة سفينة الخير والرفاه والازدهار وأصبح المجتمع السعودي يجني ثمار صبره الطويل.
وتستمر المسيرة الظافرة مستفيدة من إيرادات النفط التي عبرت محنة الحرب الكونية الثانية لتفتح أسواق النفط العالمية أبوابها مشرعة للنفط السعودي لتبدأ مرحلة تطور هذا الاقتصاد (الشاب) الذي أصبح اليوم أحد أهم أعضاء مجموعة الـ (20) التي تسيطر على (85) في المئة من إجمالي الاقتصاد العالمي وعضوا في غيره من المنظمات ومنها البنك الدولي.
ولأن التخطيط للحاضر والمستقبل مستفيد من عبر ودروس وتجارب الماضي، فمع زيادة أسعار النفط في ثورته الأولى 1973، كان ميلاد أول خطة تنموية مدتها خمس سنوات 1970 - 1975م في مقدمة أهدافها العمل على زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وقد توالت الخطط إلى أن بلغت الخطة التنموية التاسعة 2010 - 2015 ويمكن القول إنه خلال الخطط الخمسية التسعة تمكنت الدولة من تأسيس اقتصاد مؤسسي يعتبر مثلا يحتذى، ولأن أيضا تلك الخطط استنفدت أهدافها، والعالم يواجه تغيرات عديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية واستراتيجية واستثمارية وسياحية.. إلخ، فقد اعتبرت خطة 2010 - 2015م أخر الخطط.
ومن هنا جاءت الرؤية 2020 - 2030 تستشرف المستقبل وتبشر به أنه (حلم) كبير، إستراتيجية بعيدة المدى تحتضن مخرجاتها تنويع القاعدة الاقتصادية لتصبح بديلا للخروج من عباءة النفط، وهذا يتحقق بدعم القطاعات غير النفطية وتحقيق التنمية المستدامة، ودعم العنصر البشري من الجنسين.. الخ.
هذه الرؤية التي ترتكز على ثلاثة مرتكزات هي:
أولها: وجود الحرمين الشريفين
ثانيها: مقدرات استثمارية ضخمة.
ثالثها: موقع جغرافي استراتيجي متميز.
الرؤية 2020 - 2030 رؤية ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود بدعم ورعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ليس بالأمر الهين، هذا لأن وجودها على أرض الواقع يمثل استشراف للحاضر والمستقبل، طموحات قابلة للتحقيق على المدى المتوسط أو البعيد.
الاستشراف في الحاضر والمستقبل في حقيقة الأمر أصبح يوازي اليوم العلوم الأخرى، يدرس في العديد من الجامعات الكبرى، ويعتبر موضوعا هاما جدا له مكانته في الجامعات ومراكز البحوث المعروفة دوليا.
وله قواعده وأصوله والدول المتقدمة تعتمده لخططها واستراتيجياتها التي يتم وضعها وبناؤها من خلال رسم الخطوط العريضة للخطط والاستراتيجيات التي يمكن للدول ان تحولها إلى حقيقة واقعة.
فهو الاستشراف عملية منهجية تقوم أساسا على جمع المعلومات المستقبلية، ووضع خطط واستراتيجيات متوسطة او طويلة الأجل، هدفها اتخاذ قرارات جريئة قابلة للتنفيذ في الحاضر والمستقبل.
ويمكن القول إن الاستشراف يتمثل في تعريف مبسط قدرته على إدراك كل المتغيرات والأبعاد المستقبلية والعمل على خلق فرص جديدة تتماشى مع المتغيرات والأبعاد المستقبلية المتوقعة وتشكيل مستقبل جديد مزدهر ونماء مستمر وتنمية مستدامة.
لذا استشراف المستقبل أصبح في عالم اليوم من أهم الضرورات، خاصة والمنظومة الدولية تشهد تغيرات هامة تحدث بين يوم وآخر وبشكل متسارع أحداثا جسام الواحدة تلو الأخرى على مستوى الدول والمنظمات والمجتمعات؛ مما أضحى معه زيادة حجم التطلعات بشكل متزايد وملح.
لهذا، فان الاستشراف اذا كانت الإدارة علما وفنا فإن الاستشراف لا يقل عنها أهمية، بل يزيد وهو في عالم اليوم فن وعلم، يمكنه تشكيل صورة وحقيقة المستقبل، بل إنه مهارة عملية ترسم سياسة محددة يمكن أن تصبح واقعا ملموسا يمكنه أن يرفع من أداء العمل الحكومي والخاص على حد سواء بناء على أسس ومعايير جديدة مبتكرة.
وبهذا، فإن استشراف المستقبل له القدرة على النظر في تطورات المستقبل واحتياجاته، كما ان له القدرة أيضا على معرفته الأبعاد المستقبلية لمساعدة الدول والقطاع الخاص على بناء المستقبل، بل ويجعل الدول النظر في المستقبل وخلقه او تشكيله.
لذا، فإن الحاجة الى استشراف المستقبل يوما بعد آخر متزامنا مع المتغيرات المتسارعة التي يشهدها عالمنا اليوم خاصة في ميدان العلوم والتكنولوجيا وثورتها المتسارعة في مجال النت والكمبيوتر والبريد الالكتروني والهواتف.. الخ، مما جعل بروز أساليب عمل وخطط واستراتيجيات ورؤى جديدة أمرا حتميا، ولذا فان الرؤية ركزت على استشراف مستقبل يبشر بالخير والنماء والازدهار لبلاد الحرمين الشريفين التي عاشت ماضيا مشرفا وحاضرا شهد ويشهد تطورا في جميع الأصعدة.
لذا، يعتبر إعلان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 17 رجب 1437هـ الموافق 26 ابريل 2016 ميلاد الرؤية يوما تاريخيا عظيما يبشر بالخير والنماء والرفاه ومستقبل زاهر وتنمية مستدامة.
وهي الرؤية في مفهومها العام (صناعة التاريخ)، من خلال نظرة ثاقبة للمستقبل مستغلة الميزات العديدة التي وهب الله هذه البلاد فيها من ثروات طبيعية وموقع استراتيجي بين قارات ثلاث، والأهم وجود الحرمين الشريفين على أرضها الطاهرة التي نزل عليها دين الله الخالد.
وصناعة التاريخ ليست قدرا مقدورا على الإنسان قبولها، انما حقيقة الأمر أن الإنسان هو من يصنع التاريخ ويحول مساره عمليا ونظريا، ويخلق ميلاد مجتمع جديد حاضرا ومستقبلا ودفع عجلة النهضة في جميع عناصرها وخلق اقتصاد جديد وتنمية مستدامة وتطور ونماء في كافة المجالات والرؤية شرحت هذا الهدف الهام تفصيلا.
فهي راعية الحرمين الشريفين تستقبل الحجاج والمعتمرين والزوار من كل دول العالم.
الوحي نزل على أرضها في قبلة المسلمين.
مكة المكرمة والمدينة المنورة تحتضنان الحرمين الشريفين.
تتعلق نفوس المسلمين جميعا حوالي (2) مليار بشرف الحج والعمرة والزيارة والصلاة بهما.
دين الله الخالد انتشر في كل قارات العالم من مكة المكرمة والمدينة المنورة.
والقيادة الصالحة هي التي تتبنى (بقوة) الرؤية وتسعى حثيثا، تخطو بخطوات ضمن قرارات جريئة تجعل البلاد والعباد في مصاف الدول والشعوب المتقدمة لصناعة تاريخ جديد لمستقبل مشرق واعد بعناية الله، لتهيئة المناخ السليم والبيئة المناسبة التي تحقق الأهداف العريضة من خلال نظرة ثاقبة للمستقبل تحقق أهداف الرؤية مستغلة كل العوامل التي تتمتع بها بلاد الحرمين الشريفين من سياسية واقتصادية ونفطية ومعدنية ومركز استراتيجي فريد.. إلخ.
بلاد الحرمين الشريفين لها مكانتها الدولية بين منظومة أعضاء الأمم المتحدة والعلاقات والسياسة الدولية، إنها مكانة مرموقة تتمتع بها، وهي تعد في علم الاقتصاد في مقدمة اقتصادات الشرق الأوسط، وتمثل المرتبة الـ (19) من بين أكبر اقتصادات العالم، عضو مجموعة العشرين، التي تسيطر على (85) في المئة من إجمالي الناتج القومي والتجارة العالمية، وعضو في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين يسيران السياسات الاقتصادية الدولية إلى حد كبير.
وهي بلاد الحرمين الشريفين صاحبة احتياطي نفطي كبير أكثر من (261) مليار برميل وتمثل المرتبة السادسة في احتياطي الغاز والذي ستصبح في المستقبل المنظور من الدول المتقدمة فيه طبقا لرؤية 2020 - 2030.
والمملكة كنز الثروات المعدنية تنتشر في أكثر من 5300 موقع، وتقدر قيمتها بنحو خمسة تريليونات ريال، بما في ذلك عدد من المعادن الأكثر وفرة. وتوضح الرؤية ان أحد أهم أهدافها تنويع مصادر الدخل فان الظروف تحتم الإسراع في عملية تنويع المصادر بتنويع قاعدتها الإنتاجية من أجل التحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج الذي ظل تعافيه يتطلب مشاركة جميع القطاعات في عملية التنويع لبناء اقتصاد منتج بعيدا عن عباءة السلعة الواحدة (النفط) الذي مثل لعقود عديدة الاعتماد على إيراداته بشكل أساسي يبلغ ما بين 80 و 85 في المئة من إيرادات الميزانية.
وقد أكدت الرؤية ان التعليم روح المجتمع، أكثر الأمور إمتاعا للنفس، العلم هو الذي يزين الإنسان ويزيده جمالا، وهو جواز سفر المستقبل، زينة في الرخاء وملاذا في المستقبل، انه نهر كلما شرب منه طالب العلم لا يرتوي وعلى قدر ما نأخذه من العلم نبقى بحاجة إلى المزيد منه.
يقول الإمام الشافعي:
رأيت العلم صاحبه كريم
ولو ولدته آباء لئام
كما أن برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية اعتبر التدريب خيارا استراتيجيا في إعداد كوادر القطاع العام البشرية ليصبح في استطاعتها تلبية متطلبات العمل لما يمنحه التدريب للموظف من معلومات جديدة ومعارف تتطلبها المهنة التي يمارسها في جهته الإدارية مما يمنحه الفرصة في أداء مهام وظيفته بشكل وأداء أفضل.
وأكدت الرؤية على ان الصحة أساسية في التنمية البشرية، فهي تعتبر أولوية الأولويات، ومن يتمتعون بصحة جيدة لهم أهمية كبرى في بقاء ونمو المجتمعات، وتمتع الجميع بمستوى صحي ورفاهية في جميع مستويات الأعمار.
الرؤية تعمل على نقل الاقتصاد خلال زمنها إلى العالمية، وتحقيقا لهذا الهدف الهام فان المشروعات التي سبق تشييدها خضعت لإعادة هيكلتها، وتمتد أهميتها الى الحكومة. وهذه رؤى جديدة تحتضنها الرؤية.
ولا شك ان التاريخ سيسجل بأحرف من نور في بطون صفحاته الأمر الملكي رقم أ/38 تاريخ 15-2-1439هـ الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود المتضمن مكافحة الفساد والمفسدين.
وتعتبر الرؤية العنصر البشري الخلاق هو أهم العناصر الثلاثة في الإدارة، فهو العقل المدبر والعنصر الفعال الذي به يدار عنصر الأدوات، وهو الذي يجلس في المكان المعد له يقرر القرارات ويصدر الأوامر أو ينفذها لتحقيق الغاية المطلوبة لراحة المواطنين وتحقيق الصالح العام، انه العمود الفقري للتنمية المستدامة.
ولأن الخصخصة تدعم مركز الدولة على المستوى الداخلي والدولي فهي تبقي دور الدولة كسلطة سياسية تراقب وتشرف على جميع الأنشطة الاقتصادية عموما وبإمكانها التدخل بشكل فاعل في ظل ما رسمته كإطار عام للنشاط الاقتصادي داخل الدولة، ومواجهة التغيرات السريعة التي تحدث في ساحة الاقتصاد العالمي، لهذا جعلتها الرؤية احد أهدافها.
ولأن القطاع الخاص أحد أهم أدوات النمو الاقتصادي فهو يساهم في الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات النمو الاقتصادي، ناهيك عن الدور الذي يلعبه في سوق العمل وخلق الوظائف للجنسين، وله أثره الإيجابي في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، لذلك وضعته الرؤية من أولوياتها.
الحدائق العامة في دول العالم لها النصيب الأكبر من المساحات الخضراء ومعظمها يتضمن مسارات مخصصة للياقة البدنية وأخرى للمشي، بل إنها تتضمن مسارات مخصصة للدراجات ومقاعد للاستراحة وبحيرات وجداول مائية، لهذا فان الرؤية تهدف إلى العمل على أن تصبح عاصمة الدولة خضراء لذلك ولأهمية المشروع فقد أطلق على اسمه (حديقة الملك سلمان).
والدرعية التي تعد رقما رئيسا في تاريخ بلادنا، أول عاصمة للدولة السعودية الأولى التي أسسها الإمام محمد بن سعود آل سعود1138 - 1179 وهو رحمه الله الذي دعم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قائلا له: (أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعز والتمكين والمنعة)، احتضنت الرؤية بوابتها عراقة التاريخ.
وتأتي بعض مشاريع الرؤية لتفتح الطريق أمام مستقبل مشرق ومنها حديقة الملك سلمان ومن هذه المشاريع الكبرى مشروع نيوم، ويسجل التاريخ يوم الثلاثاء الرابع من شهر صفر 1439هـ الموافق 24 أكتوبر 2017م إعلان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود عن هذا المشروع الذي يقع في شمال البلاد ويمتد بـ (400) كم على ساحل البحر الأحمر.
وليس بعيدا عن المشروع الكبير العابر للحدود (نيوم) تتزين الرؤية في مظلتها بمشروع البحر الأحمر، هذا المشروع المتطور صاحب الكنوز التاريخية الذي سيصبح الأول من نوعه في الشرق الأوسط من حيث تكامله بين المنتجع الترفيهي ومتعدّد الاستعمالات، وتبلغ تكلفة المشروعين لوحدهما ترليون دولار، انه رقم فلكي يحط رحاله على أرض بلادنا صنعته الرؤية التاريخية.
ويكتمل عقد بعض المشاريع الكبرى بمشروع القدية الذي من ضمن أسباب إنشائه تنويع مصادر الدخل بالنسبة للدول ضرورة وليس ترفا، وهذا في مقدمة أهداف الرؤية، ومشروع مدينة القدية الترفيهية أحد مشروعات الرؤية السياحية الضخمة، هذا المشروع متعدد الغايات والأهداف، نظرا لأهميته الكبرى أقيمت مراسم وضع حجر أساسه بتاريخ 28 ابريل 2018 بحضور ورعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
ولصنع سياسة مالية استثمارية طموحة طبقا للرؤية سيصبح صندوق الاستثمارات العامة الذي يتولى تمويل معظم المشاريع أكبر الصناديق السيادية في عالم اليوم (Sovereign Fund) يبلغ رأسماله (2) ترليون دولار أمريكي أكثر من (7) ترليونات ريال، هذا الصندوق الواسع في لغة الاستثمارات أصبح طبقا للرؤية مالا لأصول وموجودات صندوق الاستثمارات العامة، إضافة إلى أصول الدولة من أراضي واسهم الشركات التي هي شريك فيها (كالاتصالات) مثلا وغيرها ناهيك عن المبالغ من بيع جزء من أصول أرامكو.
هذا الصندوق (العملاق) سيكون ضمن سياسته الاستثمارية الاستثمار البعيد عن المخاطر في الداخل والخارج وليصبح مع نهاية عمر الرؤية قد بلغ في عائدات استثماراته حجما كبيرا يحل محل إيرادات البترول.
ولا شك أن دمج صندوق الاستثمارات العامة مع الصندوق السيادي في علم الإدارة يعطينا لمحة سريعة ان الرؤية تهدف فيما تهف إليه تطبيق علم الإدارة بعلمها وفنها وإعادة الهيكلة طبقا لها.
ولأن كل هذه الإنجازات الكبرى في دولة شاسعة المساحة لا بد له من بناء القوة فمن مسلمات الفكر السياسي ان الدول والشعوب لن تستمر في مسيرتها إلا بامتلاك القوة كأسلوب حياة لشق طريقها بهدف تحديد دورها وحركتها وعلاقاتها في المجتمع الدولي وأخذ المكانة التي تسمو إليها.
والقوة شديدة الارتباط بالتقدم العلمي والتطور التكنولوجي، كما ان العلم أصبح في عصرنا هذا من الناحية العسكرية أهم من عدد الجنود وكثرة الآليات والمعدات الحربية.
ولأن امتلاك القوة أبلغ وسيلة للحد من استخدام القوة المقابلة، وهذا نجد سنده في الممارسات الدولية على مستوى كل الصراعات قديما وحديثا فهي بشكل أو بآخر ضرورة حتمية لا غنى عنها ولا مهرب من التلويح بها أو استعمالها.. تفرضها ظروف المتغيرات الدولية، خصوصا في الممارسات الدولية.
لذا فإن الرؤية أكدت (بقوة) على توطين ما يزيد عن (50) في المئة من الإنفاق العسكرية، لتنقل الرؤية البلاد من (2) في المئة من الإنفاق العسكري الذي ينتج محليا إلى رقم كبير (50) في المئة ينتج داخل الوطن.
لذا فان الرؤية توضح ان امتلاك القوة أبلغ وسيلة للحد من استخدام القوة المضادة.. فلا يفل الحديد إلا الحديد - خصوصا في الممارسات الدولية، فالقوة ضرورة حتمية لحماية الحق تفرضها ظروف المتغيرات الدولية، وبذا نجد ان مبدأ «القوة تحد القوة « لا يزال سائدا في الفكر السياسي الدولي رغم المواثيق الدولية التي تدعو إلى منع استخدام القوة في العلاقات الدولية إلا أن الواقع يقول ان القوة أنجع وسيلة وأمضى سبيل وعنصر جوهري لوجود الدولة.
والله ولي التوفيق..