د. سعد بن سعيد القرني
بعد تميزت شخصية المؤسس بالعديد من المزايا والقدرات بشهادة من التفاهم من رؤساء ومستشرقين ورحالة ومثقفين عرب وأجانب عبر مسيرته التاريخية في توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية. إن لدى الملك عبدالعزيز سمات القيادة التحويلية التي أجاد توظيفها بذكاء وإتقان عبر هذه المسيرة المباركة، إضافة لما يمتلكه من قدرة فذة في الذكاء الاجتماعي ومهارات التواصل ما مكنه من التعامل بوعي ذاتي لجوانب القوة في شخصيته وتعزيزها وتفادي أي جوانب أخرى ما أدى إلى تحقيق الاتزان الشخصي في فهم الذات وغاياتها وفهم الآخرين ومآربهم بالرغم من خلفياتهم وطبائعهم وأهدافهم الخفية.
وفي هذا السياق، نعرج على شخصيتين محوريتين تعدان محطتين مهمتين للعلاقة بين الحاكم والمستشار في تاريخ الملحمة الوطنية السعودية كلتا الشخصيتين الأديب والمفكر أمين الريحاني والمستشرق والرحالة سان جون فلبي (عبدالله فلبي)، وهاتان الشخصيتان لا يجمعهما من الصفات والخلفيات والأهداف من شيء إلا أنهما رحالتان استضافهما المؤسس، واستطاع أن يحقق أقصى المكاسب منهما لمشروعه الوطني بالرغم من التباين الحاد في كلتا الشخصيتين، ما يدل على أن لدى الملك عبدالعزيز ذكاء اجتماعي لافت أعاد توجيه مهمتهما باتجاه بناء هذا الكيان، فالريحاني موثق تاريخي لنجد وفلبي مفاوض اقتصادي لجلب الثروات، فالأول وثق تاريخ نجد وصراعاتها وأحداثها ومآلاتها السياسية والاجتماعية في كتابه «تاريخ نجد» والآخر أفضى دوره في فتح البوابة الأمريكية كقوة صاعدة وجلب شركات النفط لصناعة عصر جديد يواكب التحولات العالمية آنذاك.
إن شخصية الملك عبدالعزيز وقدراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية قد وثقت بشكل كبير ومفصل من قبل كتاب سعوديين وعرب وأجانب، وهناك شح في الكتابات المركزة عنه كقائد وإنسان، فسياسته تعتمد على ترسيخ الثقة وبناء التحالفات والحكمة في التعامل مع القوى المحلية والدولية ومواجهة التحديات، وعلى الصعيد الشخصي، فالملك عبدالعزيز بتواضعه واهتمامه بوطنه وشؤون شعبه فإنه شديد الحرص على التواصل مع المواطنين والاستماع لشكواهم ومشاكلهم وتيسير أمورهم بشكل مباشر.
برؤيته الثاقبة صنع نموذجا يحتذى به في القيادة التحويلية والذكاء الاجتماعي والدهاء السياسي بتوظيف فن الممكن في الاستفادة من المستشارين والمستشرقين والمفكرين وتحقيق مشروعه في بناء الدولة وتوحيد القبائل والمناطق المختلفة في شبه الجزيرة العربية كدولة حضارية واحدة.
وتأسيسا على ذلك، أعلن رسميا تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932م وأصبحت المملكة عضوا في هيئة الأمم المتحدة، وهو يوم مجيد يعتز به كل مواطن سعودي فضلا من الله وتكريسا للجهود المباركة للملك عبدالعزيز الذي امتد تأثيره الكبير على التاريخ الحديث لشبه الجزيرة العربية، كما قام بتنفيذ إصلاحات سياسية وإدارية واجتماعية، وتطوير الموارد الاقتصادية كالنفط والتجارة والزراعة في البلاد وإنجازاته مازالت تؤثر على المملكة العربية السعودية حتى يومنا هذا. فرحم الله القائد المؤسس -وطيب ثراه- وبارك الله لهذه البلاد قيادتها الرشيدة وشعبها الكريم.