سهوب بغدادي
كتب صانع المحتوى فيصل العنزي على إحدى منصاته باختصار التالي: «يقول أحدهم: مرة تسببت في زعل شخص عزيز علي وتركته مدة لين يهدأ، فسألني بطريقة عتاب: هنت عليك تتركني زعلان؟ رديت عليه: كنت قاصد اتركك لين تهدأ الأمور ونقدر نتفاهم، ورد علي بجملة لن أنساها أبدًا: لو خايف عالبيت من النار تأكله لازم تطفيها وهي مولعة لو النار هدت لوحدها بتكون خلاص أكلت كل حاجة» فعلًا، إن فعل الترك في حد ذاته موجع، فكيف بمن بينك وبينه صلة؟ وإن كان ذلك الترك لحظيًا أو مؤقتًا، فسيبقى أثره بارزًا ويخلف علامة في قلب الشخص المتروك لأي سبب كان أو خلاف، أنا مع فحوى العبارة الأخيرة فإن خمود النار يعني التهامها الكثير، الكثير من الود والحب والأواصر، وتخليفها الخسائر الفادحة وغير القابلة للتعويض، فلقد تطبع بعض الأشخاص بهذه العادة حين وقوع الخلاف، وهي عادة غير جيدة في غالبية الأحوال، إلا أنها قد تكون مفيدة في حالات قليلة من أبرزها عند الغضب الشديد، فيضحى الترك خيارًا آمنًا للتارك والمتروك، فيما يعد اختلاف الآراء بطريقة طبيعية ونشوب الخلافات السلمية أمر معتاد بل صحيّ، ولا يستلزم الترك والانسحاب من أي طرف كان، إذ يمثل الانسحاب قلة العزيمة ويبين مدى الفجوة المتعاظمة بين الطرفين في مجالات عدة، ويكمن الحل الأمثل في التعامل مع الخلافات في تقييم حالة الخلاف من خلال معرفة الموضوع والهدف المرجو ومواطن التحسين، من ثم اختيار الترك ريثما يهدأ الموضوع أو الشخص، أو خوض غماره.
هناك عبرة جميلة نستنتجها في هذا الصدد من الاطلاع على حياة الثيران، التي تقوم بالجري باتجاه العاصفة فور حلولها، لا عكسها وذلك لعلمها المسبق أن أسرع طريق لاجتياز العواصف هو خوضها فور تمييزها، وفي حال ركضت الثيران في الاتجاه الموافق لاتجاه العاصفة فستستمر العاصفة في اللحاق بهم لفترات أطول، فهل ستترك العواصف تمر أينما شاءت وتحل كيفما أرادت؟