د. أحمد محمد القزعل
يقول Steven Heine: «إن الذكاء العاطفي هو قدرة الإنسان على التعامل مع عواطفه، بحيث يحقق أكبر قدر ممكن من السعادة لنفسه ولمن حوله..»، ويشير مفهوم الذكاء العاطفي إلى دراسة الجوانب النفسية والقدرة على فهم وإدارة العواطف سواء كانت عواطف الشخص نفسه أو عواطف الآخرين وتركز هذه الدراسة على العمليات العقلية والعاطفية التي تشكل أساس الذكاء العاطفي وتأثيرها على السلوك الإنساني، ويتضمن الذكاء العاطفي مهارات مثل الوعي الذاتي والتحكم في العواطف والتعاطف مع الآخرين ومهارات التواصل الاجتماعي.
لقد نشأت فكرة الذكاء العاطفي كمجال فرعي في علم النفس في الثمانينيات حيث بدأت الأبحاث الأولية في هذا المجال مع نظرية الذكاء المتعددة لهوارد غاردنر والتي اعتبرت الذكاء العاطفي أحد أنواع الذكاء، ولكنها انتشرت بشكل واسع بعد نشر كتاب «الذكاء العاطفي» لدانييل جولمان عام 1995، حيث أشار جولمان إلى أن النجاح في الحياة لا يعتمد فقط على الذكاء التقليدي (IQ) ولكن أيضاً على مجموعة من القدرات العاطفية والاجتماعية...، ومن أهم مقومات الذكاء العاطفي: القدرة على ضبط العواطف والتصرفات في مختلف المواقف مع فهم العواطف الشخصية وكيف تؤثر على التفكير والسلوك والقدرة على فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معهم بطريقة مناسبة وبناء وإدارة العلاقات بشكل فعال وأهمية الميل للتحفيز الذاتي والسعي لتحقيق الأهداف.
ويعد الذكاء العاطفي مهماً لأنه يساعد في تحسين العلاقات الشخصية والمهنية وتحسين الصحة الجسدية وذلك بزيادة قدرة الشخص على رعاية نفسه والتحكّم بمعدلات التوتر لديه وتحسين الصحة العقلية حيث يؤثر الذكاء العاطفي على منظور الشخص في الحياة، ويساعده على تجنب الاكتئاب وتقلبات المزاج، ويزيد من القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة والمواقف الصعبة كما يعزز القدرة على اتخاذ القرارات المستنيرة ويسهم في تحقيق النجاح الشخصي والمهني ومن خلاله نستطيع الاستجابة الفعالة للمواقف العاطفية والتعرف على مشاعر الذات والآخرين والقدرة على التكيف مع التغيرات والمواقف الصعبة والمحافظة على علاقات صحية ومتوازنة.
ولعل الذكاء العاطفي هو أساس النجاح في العلاقات الإنسانية، ذلك أنه عندما يشعر أحدنا بالضيق لسبب ما، فإنه ربما يجد إنساناً يتحدث إليه ويشكو له همه فإذا وجد شخصاً يستمع إليه ينصت لكلامه يتفهم مشاعره، كما وصفه ستيفن كوفي بإنصات التقمص العاطفي، فإن ذلك سيخفف عنه الكثير من ذلك الضيق، فالتعاطف مع الآخرين هو إحساس بمشاعرهم وإشعارهم بفهم هذه المشاعر وهو من أهم صفات الإنسان الذكي عاطفياً، كما يعتمد تقدير المشاعر على ثلاثة أمور: وهي إدراك هذه المشاعر وتفهمها دون الحكم عليها وثالثها التعاطف وهو أكثر ما يحقق السعادة للآخرين لأنه يعني تقدير مشاعرهم وفهمها..
ومن أهم طرق تطوير الذكاء العاطفي: الوعي الذاتي وممارسة التأمل والتفكر في الذات والتواصل الفعال لتعلم مهارات الاستماع والتحدث ومحاولة فهم وجهات نظر الآخرين والتفاعل معها وإدارة التوتر وممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التأمل والتنفس العميق وتحليل العلاقات والتفكير في العلاقات الحالية ومحاولة تحسينها، ومن أنواع الذكاء العاطفي: الذكاء الشخصي الذي يتعلق بفهم الفرد لعواطفه وإدارتها، والذكاء الاجتماعي الذي يتعلق بفهم وإدارة العلاقات مع الآخرين.
ولا بد لتطوير الذكاء العاطفي من التدريب الذاتي والانخراط في برامج التدريب وقراءة الكتب والمقالات التي تتناول الذكاء العاطفي والحصول على مشورة من مستشار أو مدرب متخصص مع تطبيق مهارات الذكاء العاطفي في الحياة اليومية...، حقيقة فإن الذكاء العاطفي يعد من أهم المهارات التي يمكن أن يمتلكها الفرد في حياته الشخصية والمهنية ويمكن تطويره وتحسينه عبر الممارسة المستمرة والوعي الذاتي مما يؤدي إلى حياة أكثر توازناً وسعادة ونجاحاً.