د.عبدالرحيم محمود جاموس
صادف الثالث والعشرون من شهر سبتمبر للعام ألفين وأربعة وعشرين، الذكرى الرابعة والتسعين لليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، هذه الذكرى التي احتفى بها شعبنا العربي السعودي، ويشاركه في ذلك أشقاؤه من أبناء الأمة العربية والإسلامية لما مثلته وتمثله المملكة العربية السعودية تجاه الأمة جميعا من أهمية، فهي مناسبة وطنية وقومية على السواء، ومن هذا المنطلق فإن الشعب الفلسطيني سواء منهم المقيمون على أرض المملكة أو في فلسطين أو في مخيمات الشتات يشاركون أشقاءهم أبناء المملكة العربية السعودية الاحتفاء بهذه المناسبة ويحيون معهم بمشاعرهم النبيلة هذه الذكرى الطيبة والعظيمة، لما لهذه المناسبة من أهمية عظيمة قولا وعملا.
إننا نتقدم في هذا اليوم الأغر للمملكة العربية السعودية بأحر آيات التهاني والتبريكات إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه، والى ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء والى حكومة المملكة وإلى شعبها العظيم، بهذه المناسبة العظيمة التي تخلد ذكرى وحدة المملكة بقيادة الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، التي رسخت أول وحدة عربية في العصر الحديث، وأرست قواعد بنيان ثابت وراسخ ومتين للدولة السعودية على أساس من العقيدة السمحة والقيم العربية الشماء، تنهض بشعبها الكريم من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب حاضنة للحرمين الشريفين أقدس بقاع الأرض لدى الأمة الإسلامية جميعا، توفر لحجاجها ولزوارهما حسن الرعاية والوفادة، وأنجزت التوسعة والإعمار لهما، بما يليق بهما، وبالأمة الإسلامية، وهي تمثل حصنا ودرعا واقيا للأمة العربية والإسلامية، من خلال دورها الطلائعي والقيادي بما لها من وزن سياسي واقتصادي ومعنوي على المستوى العربي والإسلامي والدولي، فقد تبنت قضايا الأمة وتحررها من الاستعمار حديثها وقديمها ودعمت استقلال كافة الدول العربية التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار، ودعمت اقتصاداتها بما وفرته من دعم لها، المملكة منذ أن أنعم الله عليها قد خصصت ما يزيد على 1 % من دخلها القومي لدعم الأشقاء والأصدقاء والدول الأكثر فقرا وهذه أعلى نسبة دعم على المستوى الدولي تخصصها الدول، ودعم الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، دعما للأمن والاستقرار والسلام الدولي، ذلك ما أكسبها احترام وتقدير كافة الدول والشعوب المنصفة في العالم.
أما على مستوى القضية الفلسطينية فقد كان لفلسطين وشعبها وضعهما الخاص والمميز لدى المملكة قيادة وحكومة وشعبا، منذ بدايات القضية الفلسطينية كانت مواقف المملكة العربية السعودية المشرفة تتسم بالوضوح والصلابة تجاه ثوابت القضية الفلسطينية، فإذا عدنا للتاريخ نجد أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قد وجه بتقديم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني من أجل الدفاع عن وطنه، وفي سنة ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين سنة النكبة الكبرى شارك الجيش العربي السعودي في الدفاع عن عروبة فلسطين وقدم الشهداء في أرض فلسطين التي ما زالت شواهد قبورهم تنتصب في أرض فلسطين، كما أتاحت المملكة حينها لأبنائها التطوع في صفوف المقاومين الفلسطينيين والعرب للدفاع عن فلسطين وقد شكل المتطوعون السعوديون مجموعة كبيرة في صفوف جيش الإنقاذ وقطاعا كبيرا شارك في معارك الدفاع عن القدس والجليل والمثلث وقدموا عشرات الشهداء ومئات الجرحى في مواجهة العصابات الصهيونية.
وقد وجه في حينه جلالة المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بتنظيم حملات التبرعات الشعبية لدعم المجاهدين ودعم الشعب الفلسطيني، وبقيت سياسة المملكة تسير على هذا النهج واضحة كل الوضوح إزاء القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ولم تتوان يوما عن القيام بهذا الواجب عن جميع المستويات العربية والدولية شعبيا ورسميا.
نحن في هذه المقالة لا نستطيع أن نحصي كل ما قدمته وما فعلته المملكة من أجل فلسطين، ولكن مآثر المملكة في هذا الشأن واضحة وجلية للعيان ولا يستطيع أن يغمطها إلا جاحد أو ناكر للجميل، فالمملكة وقيادتها وشعبها تمثل دائما الحضن الدافئ والداعم للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ولقيادته الشرعية.
مواقف المملكة الداعمة للشعب الفلسطيني ماديا وسياسيا كان لها الأثر البالغ في استمرار صمود الشعب الفلسطيني وفي تراكم إنجازات النضال الوطني الفلسطيني على طريق تمكين الشعب الفلسطيني من العودة إلى وطنه وممارسته لحق تقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
كما مثلت المملكة في سياساتها الواقعية والمتوازنة أقوى مدافع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية عربيا ودوليا وتجلى ذلك من خلال المبادرات السياسية التي صاغتها المملكة، منها مبادرة المغفور له بإذن الله الملك فهد عام 1982م وفي عام 2002م مبادرة الملك عبدالله رحمه الله والتي أصبحت مبادرة عربية وإسلامية وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الإطار السياسي والقانوني الذي يحكم أية تسوية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي وفي مقدمته القضية الفلسطينية.
هذا الدعم السياسي والمادي من المملكة العربية السعودية للشعب الفلسطيني وقضيته، محل شكر وتقدير الشعب الفلسطيني وقيادته على السواء، ويأتي تأكيدا للروابط الكثيرة التي تربط بين الشعبين الفلسطيني والسعودي وأهمها الرابط الديني الذي جاء في محكم التنزيل بقوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم)..(صدق الله العظيم).
المملكة وفلسطين يحتضنان أقدس مقدسات المسلمين، المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا لها، والمملكة ستبقى ملتزمة بهذه السياسات الثابتة المعبرة عن هذه الروابط الأزلية الدائمة، وتترجمها بالأفعال لا بالأقوال كما يعبر عنها اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز صاحب المقولة الراسخة (نحن رفاق مصير لا رفاق طريق) الذي أولى القضية الفلسطينية منذ بداياتها جل اهتمامه وأشرف على وترأس اللجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني على مدى زاد عن خمسة عقود لتوفير الدعم الشعبي المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني، ولن ينسى شعبنا ومعه أحرار العالم الشعار الذي أرساه حفظه الله (ادفع ريالا تنقذ عربيا).
إنني في هذه المناسبة العظيمة أود أن أعبر باسم شعبنا الفلسطيني وباسم قيادته عن بالغ الشكر والتقدير للمملكة على ما أسدته لشعبنا من عون ودعم دائمين ومستمرين، وأتقدم بكل فخر واعتزاز بأجمل التهاني للمملكة العربية السعودية ملكا وقيادة وشعبا وحكومة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس الوزراء حفظهما الله جميعا، وحفظ الله المملكة وشعبها وأدام عليها تقدمها وازدهارها وأمنها وأمانها ليبقى هذا الكيان العربي الشامخ مفخرة للعرب والمسلمين وقدوة في الوحدة والتنمية والبناء والاستقرار والازدهار، ونموذجا لتلاحم القيادة والشعب على الدوام، لجميع الأشقاء والأصدقاء على السواء.