رمضان جريدي العنزي
جبر الخواطر من أعظم الشمائل والأخلاق والمعاني التي تصنع المحبة والألفة بين الناس، وهي من خصال الإيمان، وعلامات أهله، وجبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس، وعظمة قلب، وسلامة صدر، ورجاحة عقل، يجبر الإنسان فيه نفوساً كسرت، وقلوباً فطرت، وأجساماً أرهقت، وأرواحاً تعبت، وجبر الخواطر بالقول أو بالفعل أو برسالة أو بفكرة أو بكلمة خير تجبر النفوس، وتثلج الصدور، وتطييب الخاطر، وجبر الخواطرلا يحتاج إلى كثير جهد، ولا كبير طاقة، فربما يكفي البعض كلمة: من ذكر، أو دعاء، أو موعظة، أو جاه، أو مسعى، يقصي به المرء حاجة الآخرين..
إن جبر الخواطر من محاسن الأمور والنبل والمروءة، وهو شعبة من شعب الإيمان، وصور من صور المحبة، وجبر الخواطر من أيسر الأمور وأسهلها، وعلى الإنسان العاقل المدرك الحصيف الواعي أن يجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب أخوانه ولا يبخل بنفسه عليهم، وأن يجعل جبر الخواطر من تعاملاته اليومية، فيضيئ القلوب، ويدفىء الأرواح، فكم من قابع في ظلام مشاكله يحتاج من ينير ظلمته، وكم من مرتجف وسط زوابع الحياة يهدأ روعه بكلمة بسيطة، أو موقف صغير، أو عطاء يسير، أن من يرفع همة الشخص، ويهون مصيبته، ويأخذ بيده، بالتأكيد شخص شهم، ومعدنه أصيل، أن من سار بين الناس جبراَ للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: (صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متّكًا)، وعن أَبِي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه إذا أتيت معسراً، فتجاوز عنه، لعل الله يتجاوز عنا». قال: «فلقى الله عز وجل فتجاوز عنه «، أن صاحب النفس العظيمة، والقلب الرحيم، رؤوف بأخوانه، رفيق بهم، يجتهد لهم، ويحب لهم الخير كما يحبه لنفسه، ولا يحمل عليهم غلاً في صدره، يتجاوز عن عثراتهم وأخطائهم وزلاتهم، ويتجاهل صغائر الأمور، لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم، من أصلح الناس قلباً، وأصدقهم لساناً، وسع خلقه الناس، سهولة ورفقاً، وفاضت يداه بالعطايا كرماً وجوداً، فكان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، يجبر خواطرهم، ويتفقد أحوالهم، ويسأل عن غائبهم، ويعود مريضهم، وحتى الصغار في حياة النبي لهم نصيب من جبر الخواطر، أن الحياة الدنيا زائلة لا محالة، ومتاعها فاني، وأن جمع الإنسان فيها وكنز، لكن الحياة في الآخرة هي الدائمة الباقية والخالدة خلوداً أبدي، الدنيا فيها الزرع، والآخرة فيها الحصاد، فاجتهدوا بالزرع، لتحصدوا الثمر الهنيء، ولا تغرنكم الحياة الدنيا وزخارفها وبهارجها، اللهم أجبر خواطرنا برحمتك وفضلك، وجودك وكرمك، وعفوك وتجاوزك وصفحك.