م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - لا شك أن هناك فرقاً بين السيرة الذاتية والسيرة الروائية.. فالأولى هي حقائق بحتة موثقة تقاس بمقدار الدقة والصدق والكذب فيها.. بينما الثانية ذات طبيعة تخيلية مراوغة مخاتلة.. تعتمد على براعة السبك لا مقدار الصدق.. إضافة إلى أنها تتناول الذات الباطنة لا الشخصية الظاهرة.. بمعنى أنها تنظر إلى ما وراء الظاهر من حياتنا.
2 - السيرة الروائية ليس بوسع أي أحد كتابتها.. فهي حالة إبداعية راقية.. بعكس السيرة الذاتية التوثيقية التي تعتبر كتابة تقريرية مباشرة يتم اجترارها من الذاكرة وفق زاوية الرؤية الخاصة بالكاتب.
3 - رواية الذات تختص بكتابة الجزء غير المرئي من حياتنا.. بعيداً عن القضايا العامة والوقائع الموثقة والآراء الشخصية.. رواية الذات هي ملامسة العقل الباطن بكل مخزونه وكل محفوظاته بعيداً عن الشخصية الظاهرة وعقلها الواعي.. وهذه مهارة عالية وقدرة فنية كبيرة أن تستطيع أن تروي ذاتك بكل شجاعة.
4 - السيرة الروائية لا تبحث فيها عن الحقائق بل عن مساحة البوح.. وعمق الاغتراف من العقل الباطن.. وحرية التعبير عن المناطق المجهولة من حياة الراوي.. والنتيجة التي يخلص إليها الراوي ليست حقائق يحكم على ضوئها بل خيالات تثير النفس.
5 - السيرة الروائية ذات شكل أدبي لا شكل تاريخي.. ولأنها ذات شكل أدبي فلا بد أن تكون ذات بنية سردية متخيلة لا لغة تقريرية مباشرة.. فهي لا تروي الحقائق بل تحكي التخيلات والأفكار والهواجس والرؤى والأحلام.. إنها إبحار في اللامكان واللازمان.. وهما العنصران الأهم في أي سيرة ذاتية.. إنها كما وصفها أحد الكتاب: حالة من الغوص بحثاً عن الصندوق الأسود في النفس.
6 - كتابة السيرة الذاتية هي كتابة عن الذات من الخارج.. بينما السيرة الروائية كتابة عن الذات من الداخل.. وأغلب الناس يعرفون ذواتهم من الخارج لكنهم يجهلونها من الداخل.. فكيف يروونها للناس؟
7 - هناك من يرى أنه لا يوجد ما يسمى سيرة روائية.. ويعتبرونها محاولة للتحايل على كتابة السيرة الذاتية في شكلها الفني حتى لا يضع الكاتب نفسه في مواجهة مع المجتمع.. فرقابة المجتمع تجعل من كتابة السيرة الذاتية مهمة صعبة تستدعي أن تكون دقيقة في تعابيرها.. والمجتمع حوَّل كتابة السير الذاتية إلى كتابات أشبه بالكتابات الوطنية أو التربوية.. بعيدة عن الوضوح والصراحة وتعرية الذات.
8 - الحقيقة أن السيرة الروائية ليست سيرة ذاتية بل أقرب إلى أن تكون رواية محملة بتجارب المؤلف وخبراته الشخصية في الحياة.. فكل كاتب لا بد أن يكون في كتابته جزء ولو يسيراً من حياته الخاصة وما مر عليه في الحياة.. فالكاتب مضطر إلى إضافة أحداث وشخصيات وتصورات حتى لو كانت بعيدة عن الواقع.. لأن كاتب الرواية ينهل من عقله اللاواعي أولاً بعكس كاتب السيرة الذاتية الذي لن يُقْبل منه إلا أن يكتب حسب عقله الواعي.
9 - قارن الكثيرون بين الرواية والسيرة الذاتية.. ولعل وصف الأديب الإنجليزي (جورج ماي) هو الأقرب للواقع حينما قال: ما يميز قراءة رواية.. ليس كون السيرة حقيقية والرواية خيالية.. وإنما كون الأولى تظهر لنا في لبوس الحقيقة والثانية في لبوس الخيال.