خالد بن حمد المالك
يعاني لبنان من فراغ رئاسي ومؤسساتي ودستوري، ويعيش مواطنوه في فوضى دون أن يلوح بالأفق ما يبشِّر بأن الدولة في النفق الأخير من هذا الفراغ، وأنها ستكون على موعد قريب مع انتخابات رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة بديلة للحكومة بالتكليف.
* *
لقد ساهم الصراع بين الأحزاب في هذه الفجوة المدمرة، وكان للرئيس السابق ميشيل عون دوره في عدم تشكيل حكومة قبل انتهاء ولايته، وكان القرار بيده آنذاك، لكنه حرص على أن تنتهي ولايته ويترك لبنان للمجهول، وكانت النتيجة ما نراه الآن.
* *
ولبنان وهو يمرّ الآن بواحدة من أسوأ مراحله منذ الاستقلال، حيث بقي خلال فترة رئاسة عون وإلى اليوم وما بعدها، في عزلة، وانهيار اقتصادي، وصراعات بين الأحزاب، وحكومة لا تحكم، ومجلس نواب معطَّل، ما شجَّع حزب الله ليكون صاحب قرار الحرب والسلم، دون وجود جيش، أو مؤسسات لمواجهته، أو أحزاب تتصدى له، وتمنعه من مغامراته التي نرى نتائجها المدمرة الآن.
* *
نعم إسرائيل تحتل أجزاء من الأراضي اللبنانية، وهي في مناوشات مستمرة مع حزب الله على حدود لبنان الجنوبية، ولكن كان يمكن بالحوار والدبلوماسية تحقيق ما لم تحققه الحروب، بدلاً من العنتريات في خطب نصر الله، وتجييش أفراد حزبه لمعارك غير متكافئة مع إسرائيل.
* *
لقد ارتكبت إسرائيل وبالتأييد من أمريكا جرائم خارج سياق الحروب، فقتلت من اللبنانيين المدنيين الأبرياء المئات، وأصابت الآلاف وهي تقوم باستهدافها لعدد محدود من قيادات حزب الله، في عمل غير إنساني، وجرائم لم يسبق للبنان أن تعرّض لمثلها، وهو عمل مدان، ومرفوض، وجبان.
* *
ولكن لا يمكن تبرئة حزب الله من المسؤولية، فهو من ينفذ أجندة إيران على حساب مصالح لبنان، دون أي مكاسب، حتى وإن اعتاد أمين الحزب أن يتحدث عن انتصارات وهمية لحزبه ضد إسرائيل، كما اعتاد على أن يكرر الحديث عن انتصاراته في حرب 2006م دون دليل.
* *
إن على المجتمع الدولي أن يدين إسرائيل على جرائمها في سوريا ولبنان وفلسطين، وأن يلزمها باحترام قواعد الاشتباك، وأن يدفعها إلى القبول بإقامة دولة فلسطينية بحدود واضحة، وعاصمتها القدس، لوضع حد لهذه المعارك التي لا مُبرر لها.
* *
وعلى إيران أن تكف عن دعم وإغراء وكلائها الأحزاب في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث لم تحصد هذه الدول من توريطها إلا الخسائر في الأنفس والممتلكات، والفوضى وعدم الأمن في دول هذه الأحزاب.
* *
المنطقة تحتاج إلى الاستقرار، والهدوء، والأمن، بعيداً عن الأحزاب، بعيداً عن القتل والقتل المضاد، وهذا يتطلب من إسرائيل أن تتخلى عن سياساتها في التسلّط على جيرانها، واحتلال أراضي الغير، وتمكين الفلسطينيين من استرداد حقوقهم، وفي طليعتها استرداد أراضيهم المحتلة في حرب عام 1967م وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، منعاً لسفك المزيد من الدماء للأبرياء في دول المنطقة، وعلى حزب الله أن يتحول بعد هذه الهزائم والنكبات إلى حزب سياسي، إنقاذاً للبنان واللبنانيين من المصير المجهول.