عبدالله صالح المحمود
شهد المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة تحولات نوعية في مختلف المجالات، وبالأخص في المجال الثقافي.
هذه التحولات جاءت في إطار «رؤية السعودية 2030» التي وضعت الثقافة ضمن محاورها الرئيسة لتعزيز التنمية المستدامة.
في هذا السياق، نسلط الضوء على أبرز التحولات الثقافية والاجتماعية التي شهدتها السعودية وتأثيرها على هوية المجتمع.
جذور الثقافة السعودية
تتميز الثقافة السعودية بتاريخ عريق يمتد لقرون طويلة، يعود بعضها إلى ما قبل تأسيس الدولة الحديثة. كانت الثقافة السعودية تتأثر بالعوامل الجغرافية والاجتماعية، حيث يظهر هذا التأثير في الفنون الشعبية كالعرضة والسامري، وفي الأدب مثل الشعر الجاهلي. إلى جانب ذلك، كانت قيم العائلة والدين تشكل النسيج الأساسي للمجتمع السعودي، الذي ظل مرتبطًا بالعادات القبلية لفترات طويلة.
على مر الزمن، استمر هذا التراث متكيفًا مع المتغيرات دون التفريط في جوهره، ليصبح جزءًا من الهوية الثقافية للسعوديين.
التحولات الثقافية في ظل رؤية 2030
مع إطلاق «رؤية السعودية 2030»، شهد القطاع الثقافي تطورًا ملحوظًا. أُنشئت هيئات مختصة مثل هيئة الترفيه وهيئة الثقافة، وهيئة التراث، وهيئة الموسيقى، وهيئة الأزياء وغيرها من الهيئات، لدعم المبادرات الفنية والثقافية، وتنظيم الفعاليات التي تجمع بين التراث السعودي والابتكار العالمي.
مهرجان «شتاء طنطورة» في العلا يُعد أحد أبرز الأمثلة على ذلك، حيث يجمع بين الأصالة والحداثة، ويعزز من تواجد السعودية على الخريطة الثقافية العالمية.
إلى جانب ذلك، أصبح للمرأة السعودية دور محوري في المشهد الثقافي، سواء في الأدب أو الفنون التشكيلية أو المسرح والسينما. هذه المشاركة تعكس التغيير الكبير في النظرة المجتمعية لدور المرأة، وتسهم في إثراء المشهد الثقافي المحلي.
السينما والمسرح: عودة قوية
شهد عام 2018 حدثًا تاريخيًا بعودة السينما إلى السعودية بعد غياب طويل.
افتتاح دور السينما جاء تتويجًا لتوجه جديد يهدف إلى تعزيز الثقافة والترفيه، وجعل السينما منصة للتعبير عن الهوية الاجتماعية والثقافية. وقد بدأت أفلام سعودية تظهر على الساحة الدولية، مما يعزز من وجود المملكة في المهرجانات العالمية. وفيما يخص المسرح، فقد تم إطلاق عدد من المهرجانات والعروض المسرحية التي تسلط الضوء على قصص المجتمع السعودي بطرق إبداعية.
المسرح اليوم أصبح أداة لتعزيز الحوار الاجتماعي والتعبير الثقافي، مع تقديم محتوى يوازن بين الترفيه والتوعية.
دور المرأة والشباب
المرأة والشباب هما الركيزة الأساسية للتحولات الثقافية في السعودية. تمكين المرأة أصبح حقيقة واقعة، حيث نجدها اليوم تشارك بقوة في مجالات عدة، من السياسة إلى الثقافة والفنون. المرأة السعودية تبرز كفنانة وكاتبة ومخرجة، لتسهم بشكل مباشر في تشكيل المشهد الثقافي الجديد.
أما الشباب، فيعتبرون القوة الدافعة للتحولات الثقافية، إذ يتبنون الأنماط الفنية الحديثة مع الحفاظ على التراث السعودي. الفعاليات الكبرى مثل «موسم الرياض» و»موسم جدة» تستقطب آلاف الشباب من داخل المملكة وخارجها، مما يسهم في تكوين مشهد ثقافي شبابي متنوع ومتجدد.
الحفاظ على التراث
رغم الانفتاح الكبير الذي تشهده السعودية، إلا أن الحفاظ على التراث ظل أولوية. جهود المملكة للحفاظ على مواقعها التاريخية مثل «مدائن صالح»، والتي أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، تؤكد على التزامها بحماية تاريخها الثقافي. برامج الترميم والحفاظ على الفنون التقليدية تشكل جزءًا أساسيًا من هذه الجهود، مع الحرص على عرضها للعالم كجزء من الهوية السعودية الفريدة.
المستقبل الثقافي
في ظل رؤية 2030
التحولات الثقافية التي تشهدها السعودية ليست مجرد تغييرات سطحية، بل تعكس تحولًا عميقًا نحو مستقبل واعد. «رؤية 2030» لا تهدف فقط إلى التحديث والانفتاح، بل تسعى أيضًا لتعزيز الهوية الوطنية عبر الثقافة والفنون.
المملكة اليوم تسير بخطى واثقة نحو تعزيز مكانتها كمنارة ثقافية، مع احترام جذورها والتراث الذي تفخر به.
في الختام، يمكن القول إن الثقافة في السعودية أصبحت مجالًا حيويًا يجمع بين الماضي والحاضر، ويستشرف المستقبل.
التحولات الثقافية تعكس قدرة المجتمع السعودي على التكيف مع التغيرات، مع الحفاظ على خصوصيته وهويته الثقافية العريقة.