محمد بن عيسى الكنعان
تحتفل أغلب شعوب دول العالم - إن لم يكن جميعها - بأيامها الوطنية، لأنها تستذكر ذلك اليوم المفصلي في مسيرتها الوطنية نحو بناء نظامها السياسي، وظهور دولتها القومية الحديثة في المشهد العالمي.
فهذه تخلصت من الاستعمار بعد رحلة كفاح طويلة، وتلك نالت استقلالها بعد أن جلا مستعمرها الذي دبّ فيه الوهن، وثالثة اتحدت في منظومة فيدرالية، وأخرى وجدت في الكونفدرالية حلًا لاستقرار نظامها، وغيرها قام كيانها على أنقاض أخرى. صور سياسية متقاربة لدول متعددة، لذا جاءت أيامها متشابهة، لكن بلادنا - وإن كانت ضمن المنظومة الدولية - تبقى متميزة بكل ما فيها، فتأسيسها ضارب في بطن التاريخ، وتوحيدها عنوان بارز على بوابة العالم، لذلك جاء ظهورها في المشهد الدولي مختلفًا، فكما قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - مُصححًا لمترجم إحدى اللقاءات الرسمية: «المملكة لم تُستعمر، إنما أعُيد توحيدها».
جملة قصيرة النص، وعبارة محدودة الكلمات، لكنها واضحة الدلالة، عميقة المعنى، تُعبّر بإيجاز عن طبيعة تكّون مملكتنا، فالاستعمار لم يطأ أرضنا أو يستعمر دولتنا، بل تشكّلت من ملحمة التوحيد خلال مسيرتها التاريخية، والعبقرية السعودية الفذّة التي جسدّها المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود - طيب الله ثراه -.
قصة استثنائية لملحمة وحدة وطنية تعتبر واحدة من أعظم نماذج وحدة الوطن على المستوى الإقليمي والصعيد الدولي، ملحمة فريدة عمرها ثلاثة عقود، بدأت باسترداد العاصمة الرياض عام 1902م، ومرورًا باستعادة المناطق والمدن الرئيسة، أبرزها الأحساء عام 1913م، وحائل 1921م، ومكة المكرمة عام 1924م، والمدينة المنورة عام 1925م، ونهايةً بإعلان المملكة العربية السعودية عام 1351ه الموافق 1932م.
لهذا ينبغي أن نغرس تاريخ يومنا الوطني في وجدان أطفالنا (23 سبتمبر)، وأن يعلموا قيمة هذا اليوم المجيد في تاريخنا، وعظمته على صفحات الزمن، وأهميته في سجل المجد الدولي، لكي يُدركوا دوره في ماضي أجدادهم، وتأثيره في حياة آبائهم، وأهميته في بناء مستقبلهم، فهذا اليوم الخالد بذاكرة السعوديين شكّل تاريخًا مفصليًا بين التفرق والوحدة الوطنية، بين التناحر وجمع الكلمة، بين الفوضى واستتباب الأمن، بين الخوف والسلم الأهلي، بين الجوع والخير العميم، وبهذا يسبح خاليهم النقي في أبهى صور الوحدة الوطنية وهم يحتفلون باليوم الوطني الـ94، فيستشعروا عظمة الإنجاز من واقع هذا اليوم المجيد، فيعيشون الحلم الذي تحقق بدولة عظيمة تجاوزت السحاب. أرض مترامية الأطراف أشبه بقارة، متعددة المناطق والأقاليم والقبائل، ومتنوعة التضاريس والعادات والتقاليد، تجتمع وراء قيادة حكيمة واحدة، ولها راية شامخة واحدة، وتؤمن برسالة حضارية واحدة، ما جعلها اليوم العمق الاستراتيجي للخليج، وعاصمة القرار العربي، وقلب العالم الإسلامي، وعضو مجموعة العشرين، واللاعب الرئيس في أسواق الطاقة، فجمعت الريادة الإقليمية والمكانة العالمية.