سليم السوطاني
تعدُّ فكرة المقاهي الأدبية فكرة رائعة، تحفز المبدعين على الكتابة، وتوفر لهم الأجواء المناسبة للالتقاء وتبادل أطراف الحديث حول الثقافة والأدب، وتلاقح الأفكار بما يثريها.
لم تكن هذه الفكرة حديثة، وإنما انتشرت مع بداية القرن التاسع عشر في فرنسا، وتوالت المقاهي الأدبية في ذلك الوقت، ولعل أبرزها «مقهى العظماء»، التي قامت سنة 1827 ميلادية. وكانت تلك المقاهي بمثابة أرض خصبة يولد عليها العديد من النصوص والكتب والقصص والمقالات الأدبية والنقدية، وقد أثرت في الحركات الأدبية والثقافية؛ فمن خلالها أنشئ عدد من المجلات الأدبية، ثم بدأت المقاهي الأدبية تنتشر في بعض الدول الأوربية، واستمرت في وظيفة خدمة الأدب والأدباء.
في عام 2021 شهدت المملكة العربية السعودية إطلاق مبادرة «الشريك الأدبي» من قبل هيئة الأدب والنشر والترجمة، بالتعاون مع بعض المقاهي، لتكون الشريك الأدبي الذي يُقدّم من خلالها أنشطة وفعاليات أدبية وثقافية. ولازالت مستمرة هذه المبادرة بمسمى «الشريك الأدبي». الفكرة، في حد ذاتها، فكرة رائدة، وتصب في قالب خدمة الأدب والأدباء، وتسهم في نشر الأدب، ومن الصعب إصدار الأحكام النقدية التي تقيّم هذه المرحلة، إذ إننا نحتاج إلى الوقت الكافي لمعايشة ومعاينة هذه التجربة حتى يمكننا نصدر عليها الحكم القطعي، لكن أي مبادرة تقاس بحجم التأثير التي تخلقه في المحيط الذي تتناوله. ولا زلنا ننتظر مظاهر تأثير مبادرة «الشريك الأدبي» في الأدب السعودي، ونرجو أن تحقق الهدف من خلال هذه الفكرة الجميلة.
وأقترح أن تقدم الملحوظات والمقترحات، في نهاية كل سنة، من مرتادي هذه المقاهي والمواظبين على حضور فعالياتها، كي تُتلافى الأخطاء - إن وجدت - ويجري تطوير هذه المقاهي أولًا بأول وإضافة فِكَرٍ جديدة إليها. كذلك يجب أن تكون هذه المقاهي محفزة، من خلال المكان والأجواء، على «الكتابة» ومعينة على استيلاد الفَكَرِ والنصوص، وأن تقام فيها ندوات وحوارات خلاقة، تفضي إلى تلاقح الأفكار وتوالد الفِكَر، والإسهام في الارتقاء بالأدب بصفة عامة، والأدب السعودي بصفة خاصة، وتكون هذه المقاهي الأدبية مؤثرة، بل ومجدية، في إثراء الحركة الأدبية.
علينا أن نسعى جاهدين إلى تطوير فعاليات هذه المقاهي، والإضافة الدائمة إليها، بعيداً عن الركون إلى المدح والاكتفاء بالإشادات، فكل مبادرة تحتاج إلى تطوير وتجديد وتغيير إلى الأفضل، فالثبات والجمود هو موت في ذاته للإبداع.