خالد محمد الدوس
اهتم عدد كبير من المفكرين والباحثين في الشرق والغرب بالدعوة إلى إثراء علم الاجتماع وميادينه، واستخدام مناهجه العلمية في دراسة المجتمع البشري وظواهره، واكتشاف قوانين النظام الاجتماعي الذي يحافظ على استقرار المجتمع وضبط توازنه. وقد أسهم كثير من المفكرين والمنظرين والعلماء في إثراء هذا الميدان العلمي الخصيب، وإشباع اتجاهاته السوسيولوجية.
ومن المنظرين و الخبراء في ميادين علم الاجتماع في الوطن العربي الأستاذ الدكتور محمود الذوادي رائد علم الاجتماع الثقافي في تونس والعالم العربي.
ولد العالم الاجتماعي أ. د. محمود الحبيب الذوادي في تونس وبعد الانتهاء من تعليمه العام التحق بالدراسة بجامعة تونس ونال شهادة البكالوريوس تخصص علم الاجتماع ثم واصل تعليمه العالي في خارج وطنه وتحديدا في كندا ونال درجة الماجستير في علم الاجتماع ثم تلى ذلك حصوله على شهادة الدكتوراه في تخصص دقيق علم الاجتماع الثقافي، وكانت أطروحاته عن (مفهوم الحداثة في علم الاجتماع الأمريكي) من جامعة مونتريال الكندية عام 1979 وبعد عودته لبلده وهو مرصع بالعلم والمعرفة في تخصص حيوي يواكب عصر التغير الثقافي والاجتماعي وهو «علم الاجتماع الثقافي» العلم الذي يدرس الممارسات الثقافية أي العلاقة بين البنى المعرفية أو الفكرية أو الثقافية أو الدينية وعلاقتها بالأطر الاجتماعية. كأول عالم اجتماعي عربي يتخصص في هذا الميدان الخصب في السبعينيات الميلادية من القرن الفائت، وبعد عمله الأكاديمي في جامعة تونس لعدة سنوات درّس في العديد من الجامعات؛ حيث درس في المملكة العربية السعودية وكندا والجزائر وماليزيا، كما حصل على منحة فولبرايت للقيام في الولايات المتحدة الامريكية عام2000 ونشر أكثر من 80 دراسة في مجلات محكمة باللغات العربية والانجليزية والفرنسية، كما صدر له ما يفوق عن الثلاثين كتابا بين خاص ومشترك وباللغات العربية والانجليزية والفرنسية هذا فضلا مئات المقالات العلمية المنشورة في مجلات علمية وصحف.
ومن أبرز مؤلفاته الثقافية.. كتابه الأشهر (التخلف الآخر) وفيه تحدث عن شكل جديد من صور «التخلف الثقافي» والذي كانت تتجه إلى مسارين هما التخلف اللغوي الثقافي والتخلف النفسي..!
وقد أشار في كتابه أن الانسان الذي يستعمر لغوياً تم تجريده من أعز مالديه وبالتالي يصبح جاهزا للاستعمار..!!,وقد ضرب رائد علم الاجتماع الثقافي د. محمود الذوادي مثالا في هذا السياق عند أشار في كتابه الأشهر: أن الفرنسيين أذكى من الانجليز في استعمارهم؛ لأنهم استهدفوا الأساسيات الثقافية عبر اللغة والثقافة، والنتيجة أن الاستعمار العسكري خرج من معظم الدول الافريقية ولكن الاستعمار» اللغوي والثقافي» مازال على قدم وساق..!
ومن مؤلفاته أيضاً كتاب «الابتكارات في العلوم الاجتماعية»، وكتاب «المقدمة في علم الاجتماع الثقافي برؤية عربية إسلامية «، وكتاب «الرموز الثقافية وطول أمد الجنس البشري», وكتاب «الذكاء الإنساني والاصطناعي في ضوء القرآن الكريم»، وكتاب «فكرة المجتمع المحلي في علم الاجتماع «وكتاب «تاريخ المجتمع المحلي وثقافته». وكتاب «أضواء جديدة على محددات العقل العمراني الخلدوني»، وغيرها من المؤلفات التي تثري مكتبة علم الاجتماع العربي وتراثها الأصيل.
تمتد مسيرة العالم الاجتماعي التونسي د. محمود الذوادي.. الفكرية والأكاديمية قرابة أربعة عقود ونصف من الزمن عمل فيها في العديد من الصروح الاكاديمية في داخل وخارج وطنه، كما اشرف على عدة رسائل علمية وحصل على العديد من الجوائز في البحوث والدراسات السوسيولوجية ومن أهمها جائزة فولبرايت الأمريكية في البحث العلمي وقد اشتهر بابتكاره لنظرية الرموز الثقافية كما شارك في العديد من المؤتمرات العلمية والندوات الثقافية وورش العمل الداخلية والخارجية في المجالات الثقافية والاجتماعية مشاركا ومتحدثا في هذه الندوات العلمية. ويعد أ. د. محمود الذوادي من العلماء القلائل الذين تخصصوا في فرع علم الاجتماع الثقافي الذين تنضوي أفكارهم واطروحاتهم في إطار مشروع واضح المعالم والاتجاه والرؤية حيث تدور اغلب أبحاثه حول مسألة الهوية والحداثة وما يتفرع عنهما من إشكاليات وتساؤلات ذات بُعد سوسيو-ثقافية، ولعل آخر اصداراته العملاقة وتحديدا كتابه بعنوان: (المقدمة في علم الاجتماع الثقافي برؤية عربية إسلامية) الذي يعد إضافة ذات قيمة علمية في ميدان علم الاجتماع.. وتأكيدا على أهمية هذا الفرع الخصب الذي يواكب بدراساته (السوسيو- ثقافية) التغيرات الاجتماعية والتحولات الثقافية في عالمنا المعاصر المتجدد.