ناهد الأغا
قد أسر قلبي ذاك الطراز المعماري الأنيق العريق المبحر في الأصالة بطريقة بنائه المحافظة على التراث الإسلامي النابع من أس الحضارة الرائدة للمملكة العربية السعودية.
يا لهذا الجمال الفتان الذي يجذب الأنظار ويثير الشغف في النفوس ممتعاً النظر بتلك المباني ذات القباب والأقواس المتناسقة والأبواب الخشبية بأشكالها الهندسية والزخارف والنقوش الإسلامية والجدران المزينة بالفسيفساء المبهرة؛ لقد عكست طريقة البناء أيديولوجيات المجتمع السعودي في القرون الماضية ذات الطابع الإسلامي والتراثي المحلي النابع من دوافع التباين المناخي والإقليمي.
تميز الطراز المعماري بخصائص المواد المستخدمة في بنائه على الرغم من أنه لم يكن هناك معماريون مختصون بالبناء إلا ان المجتمعات المحلية كانت تعتمد على سواعد أبنائها في البناء مما اكتسبوه من خبرات، توارثوها من الأجداد باستخدام الوسائل المحلية المتاوفرة والمتاحة في بيئتهم كالطين والصخر والخشب وسعف النخل، وقد تم انشاؤها بحلول معمارية تناسب الظروف المناخية والبيئية لكل منطقة.
ففي المناطق الجبلية بنيت الجدران من الحجارة وصنعت الأبواب ضيفة لمواجهة البرد والرياح الشديدة؛ وفي المناطق الغربية والموازية للبحر الأحمر استُخدم الحجر المنقبي البحري كما في منازل جدة؛ في حين تميز البناء في المنطقة الشرقية باستعمال الحجر الجيري المرجاني مزيناً بالنقوش المحفورة بشكل فني جذاب كما في مدن الاحساء الداخلية والموانئ الساحلية مثل المدرسة الأميرية في الهفوف؛ أما في المنطقة الجنوبية فكانت عمارة المدرجات الزراعية ذات البناء الحجري متعددة الأدوار للمنازل والحصون والأبراج المزينة بالألوان المصنوعة من الأصباغ النباتية؛ وهي ما يعرف (بالقط العسيري)، حيث انتشرت في العسير والمناطق المجاورة لها، وسجلت ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي في اليونسكو.
وقد امتازت قرية عسير المصنفة ضمن القرى التراثية العالمية ببنائها الهندسي الفريد الذي دعا كبار علماء الآثار الى الحفاظ عليها والاهتمام بها وترميمها بشكل دائم، لأنها تراث عريق بين بلدان الشرق الأوسط ودول الوطن العربي؛ في حين أن البيت الجوفي الذي يقع على مساحة 8400 متر مربع هو مستوحى من نموذج مسجد عمر بن الخطاب الذي تضمن أول مئذنة في الإسلام، وقد روعي في تصميمه الطبيعة الجغرافية للمنطقة وما تتميز به من موروث شعبي وتاريخي.
هذه المواقع الأثرية التي انتشرت في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية تمثل حضارات متعاقبة ذات خصوصية مميزة في الطراز المعماري القديم الجذاب، كقرية الباحة المبهرة في تصميمها الذي بدا على شكل حصنين عاليين قد بنيا بطريقة هندسية مستوحاة من تراث المنطقة، وتم ربطهما مع بعضهما بممر طويل بنمطية معمارية متناهية في الدقة، هذه المباني التراثية يكاد يقر بها المعماريون بأنها نماذج يجب ان تحتذى في تدريس فنون العمارة رغم كل التطورات والتحديثات التي تمر بها أساليب البناء؛ وبالتالي فان المملكة العربية السعودية التي مرت بعصور مختلفة من التطور العمراني إلا أنها لا تزال تحرص على المحافظة على تراثها العريق في البناء الذي هو معلم تزهو به أنه أُسس في أرضها وبسواعد أبنائها، وهو فخرٌ لها قديماً وحديثاً رغم كل أشكال التطور والتقدم التي وصلت إليه وسبقت فيه كثير من الدول المتقدمة.
وقد أولت بشكل قوي رؤية سمو سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله ورعاه - رؤية 2030 اهتماماتها بالتراث العمراني وعززت مفهوم الحفاظ عليه ونقله للأجيال القادمة.