عبود بن علي ال زاحم
القيادة من أهم العوامل التي تساهم في نجاح المؤسسات، وغالبًا ما يُتوقع من القادة أن يحيطوا أنفسهم بأشخاص أذكياء ومؤهلين لتحقيق أفضل النتائج. ومع ذلك، نرى في بعض الحالات أن بعض القادة يفضلون العمل مع أفراد أقل ذكاءً أو خبرة. قد يبدو هذا غير منطقي، إلا أن لهذه الظاهرة أسبابًا متجذرة في سيكولوجيا القيادة والديناميات الشخصية. سأناقش هنا بعض الأسباب التي قد تدفع بعض القادة إلى تفضيل العمل مع أفراد غير أذكياء.
أحد الأسباب الرئيسية لهذا التوجه هو الخوف من المنافسة. بعض القادة قد يشعرون بعدم الأمان عند العمل مع أفراد أذكياء، لأن هؤلاء الأفراد قد يشكلون تهديدًا لمكانتهم أو سلطتهم في الفريق. القائد الذي يشعر بأن شخصًا في فريقه قد يتفوق عليه يخشى فقدان النفوذ أو التأثير داخل المؤسسة. هذا الشعور بعدم الأمان يؤدي في بعض الأحيان إلى تجنب القادة للأفراد الذين قد يبرزون أكثر منهم.
بالإضافة إلى الخوف من المنافسة، نجد أن بعض القادة يفضلون الأفراد الأقل ذكاءً لأنهم يرغبون في السيطرة الكاملة على مجريات الأمور. القائد الذي يسعى للسيطرة المطلقة يرى في الأفراد الأقل قدرة تحديًا أقل، مما يتيح له توجيه الفريق دون مواجهة اعتراضات أو نقاشات قد تعرقل خططه. هذه الحاجة للسيطرة يمكن أن تكون نابعة من اعتقاد القائد بأنه الوحيد الذي يعرف الأفضل أو من عدم قدرته على تقبل آراء الآخرين.
من العوامل الأخرى التي تفسر هذه الظاهرة هي رغبة بعض القادة في تجنب النقد. الأفراد الأذكياء يميلون إلى تقديم ملاحظات وتحدي القرارات التي قد يرونها غير صحيحة أو غير مناسبة. بعض القادة، خصوصًا الذين يفتقرون للثقة في أنفسهم أو في قراراتهم، قد يفضلون تجنب النقد بأي وسيلة ممكنة. في هذه الحالة، قد يلجأون إلى العمل مع أفراد أقل جرأة وأقل قدرة على التفكير النقدي لضمان تنفيذ قراراتهم دون مراجعة أو اعتراض.
ثقة القائد المفرطة بنفسه قد تكون سببًا آخر لتفضيل العمل مع أفراد أقل ذكاءً. بعض القادة قد يشعرون بأنهم الأذكى في الغرفة، وبالتالي لا يرون حاجة للعمل مع أفراد يمكن أن يقدموا قيمة إضافية أو تحديات فكرية. هؤلاء القادة يعتقدون بأنهم قادرون على اتخاذ جميع القرارات بشكل فردي، مما يدفعهم لاختيار أفراد لا يملكون القدرات التي قد تتحدى رؤيتهم أو توجهاتهم.
وأخيرًا، قد يسعى بعض القادة إلى تجنب الصراعات داخل الفريق. الأفراد الأذكياء غالبًا ما يثيرون نقاشات وصراعات صحية حول القرارات والاستراتيجيات، وهو أمر قد يراه بعض القادة كمصدر إزعاج. هؤلاء القادة قد يفضلون العمل مع أفراد أقل تحديًا وأقل مشاركة لتجنب هذه الصراعات، معتقدين أن الاستقرار الظاهري سيكون مفيدًا للفريق.
لكن هذا التوجه، رغم أنه قد يوفر راحة مؤقتة للقائد، يؤدي إلى تراجع الأداء العام للفريق على المدى الطويل. الحل يكمن في تبني أسلوب قيادة تشاركي يقوم على تمكين الأفراد الأذكياء وتشجيعهم على تقديم أفكارهم وآرائهم. القائد الذي يتبنى هذا النهج سيستفيد من تنوع الأفكار والآراء وسيتمكن من تحقيق نتائج أفضل وأكثر استدامة.
من المهم أن يدرك القائد أن النقد البناء هو أداة لتطوير الأداء، وأن السيطرة المطلقة قد تؤدي إلى إضعاف الفريق وتقليص فرص الابتكار. العمل مع أفراد أذكياء يتطلب ثقة في النفس وقدرة على إدارة النقاشات والصراعات بشكل صحي. باختصار، القائد الذي يتمكن من الاستفادة من ذكاء وخبرة فريقه هو القائد الذي يحقق النجاح الحقيقي، بينما من يعتمد على أفراد أقل قدرة قد يجد نفسه محاطًا بفريق غير قادر على مواجهة التحديات الكبرى.