عبدالعزيز صالح الصالح
إن الرؤى التي مرت على يوسف - عليه السًّلام - كانت رمزية، أي أنها تشير إلى الأشياء والحوادث من خلال رموز. فعلى سبيل المثال، يجد أن الشمس والقمر مثلاً في رؤيا يوسف - عليه السلام - رمز إلى أبويه، فيما رمزت الكواكب الأحد عشر إلى إخوته، وبسبب هذه الرمزية التي جاءت بها هذه الرؤى لم يكن إلا في مكان تفسيرها، فقد أنعم الله على يوسف - عليه السلام - بهذا العلم الخاص الذي سمَّاه سبحانه وتعالى «تأويل الأحاديث» وكما في قوله - عزَّ وجلَّ - على لسان يوسف وهو يخاطب ربه ذاكر فضله عليه (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (101) سورة يوسف.
لم تكن الرؤى بالضرورة رمزية وإنما قد تكون واضحة وصريحة، كما في رؤيا أبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - التي تصفها الآية الكريمة: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (102) سورة الصافات.
ومما لا شك فيه أن موضوع علاقة الأحلام برؤية المستقبل منذ بدء الخليقة على الرغم من اهتمام البشر بتناقل ورواية ما قد شاهدوه هم أو أقاربهم من رؤى اثبتت الأيًّام صحتها، فإن الاهتمام بهذا الموضوع بقي حتى وقت قريب بعيداً عن ميدان العلم والبحث العلمي. إلا أن العقود الأربعة الأخيرة شهدت دخول هذا الموضوع مجال البحث العلمي المختبري، لسببين، أولهما: الاهتمام المتزايد بالدراسة المختبرية للظواهر الباراسايكولوجية بشكل عام، بما فيها مختلف أشكال رؤية الأحداث المستقبلية، الذي ادى إلى نشوء (الباراسايكولوجيا التجريبية) كعلم مثل باقي العلوم التجريبية التقليدية كالفيزياء والكيمياء والبايولوجيا. أما السبب الثاني فهو تقدم المعرفة العلميّة حول النوم بشكل عام، وبالذات التوصل إلى بعض الاكتشافات العلميًّة التي يسرت دراسة الأحلام.
فقد كرس العالم الأمريكي جوزيف راين المؤسس مجهوده الحقيقي للباراسايكولوجيا التجريبية منذ انتقاله في عام 1927م إلى قسم علم النفس في جامعة ديوك الأمريكية في ولاية كارولاينا الشمالية، وذلك لبناء منهج تجريبي في دراسة الباراسايكولوجيا، حتى تكللت جهوده بعد سبع سنين بإنشاء أوّل مختبر للبحوث الباراسايكولوجية في العالم، وهو مختبر الباراسايكولوجيا في جامعة ديوك. وفي هذا المختبر قام جوزيف راين مع عدد من الباحثين، وفي مقدمتهم زوجته (لويزا راين) بعدد من التجارب التي تناولت مختلف الظواهر الباراسايكولوجيه، مثل ظواهر الإدراك الحسي الفائق. لقد كان «جوزيف راين» على دراية بالعلاقة الغريبة بين النوم والظواهر الباراسكولوجية، فقد كانت من الحقائق المعروفة لدى علماء الباراسايكولوجيا حالة النوم، وكذلك الأحلام فهي وسيط فعَّال لحدوث مختلف الظواهر الخارقة حيث إن التأثيرات الباراسايكولوجيا التي يبحث عنها العلم في المختبر هي تأثيرات متواضعة جداً حتى أنها قد تبدو مخيبة لآمال البعض؛ لأنها ليست في مستوى الحوادث التي يسمع عنها الكثير من البشر أو قرأوا عنها، أو حتى عاشوها لأن الحوادث المثيرة التي تحدث للناس هي «حوادث تلقائية»، أي تحدث من دون سابق تدبير فإن ما يقوم به العلماء في المختبر فهو محاولة «تدبير» إذاً لا توجد نظرية مقنعة لهذه الظاهرة.
لقد بينت الدراسات المختبرية، على سبيل المثال، أن حرمان الفأر المنزلي من حالة النوم يجعله يفقد القدرة على صيانة حرارة جسمه ويؤدي به إلى موته خلال ثلاثة أسابيع، من غير أن يترك أي أثر في جسمه، أما الإنسان إذا حرم من النوم، فإن ذلك يؤدي إلى التأثير بشكل عام في قدرته على التفكير، ومما لا شك فيه أن موضوع العلاقة من الظواهر الباراسايكولوجيا والأحلام هي من الأمور المثيرة على الصعيدين العلمي والفلسفي، إلا أن العلم ما يزال بعيداً عن الوصول إلى تفسير هذه الظواهر.
والله الموفِّقُ والمعين.
**
- الرياض