د. أحمد محمد القزعل
إنَّ كل إنسان يعيش معنا له مشاعر وأحاسيس، يشعر بالسرور من خلال الكلمة الطيبة وقد يُخطط لمستقبله في لحظات كثيرة من قول كلمة تشجيعية مفيدة، وتكتب عليه ملمات الدهر من كلمة جارحة، إن الكلمة مهما قصرت ألفاظها تظل في حياة إنسان وهي وراء أغلب عوالم الخير وهي ذاتها في أثر المعاناة التي قد يعيشها إنسان آخر.
فأناقة الكلمة هي التعبير عن الأفكار والمشاعر بأسلوب راق ومهذب، يعكس احترام المتحدث أو الكاتب للمستمعين أو القراء، وهي القدرة على اختيار الكلمات المناسبة بعناية، والتعبير عن المعاني بوضوح ولطف دون إيذاء أو جرح لمشاعر الآخرين، كما تتضمن أناقة الكلمة الاحترام واللباقة والقدرة على التواصل بفعالية وبشكل يُعزز من التفاهم والتقارب بين الناس.
وفي المجتمعات القديمة والحضارات اليونانية والرومانية كانت البلاغة وفن الخطابة جزءاً أساسياً من الثقافة، وكانت الكلمة الأنيقة والمتزنة تعد من علامات الفصاحة والحكمة، وخلال العصور الوسطى أصبحت أناقة الكلمة مرتبطة بالدين والفكر الفلسفي، وكان رجال الدين والعلماء يستخدمون الكلمات بحذر واحترام في النقاشات العلمية والدينية مما ساعد على ترسيخ ثقافة الاحترام في الحوار، ومع تطور اللغات وظهور الأدب الحديث أصبحت أناقة الكلمة أكثر شيوعاً حيث اهتم الكتاب والشعراء باختيار كلماتهم بعناية للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بطرق جميلة ومؤثرة، واليوم تُعد أناقة الكلمة جزءاً لا يتجزأ من التواصل الفعّال سواء في الحياة اليومية أو في وسائل الإعلام مع تزايد الاهتمام بأهمية التواصل الإيجابي واللباقة خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تتطلب من المستخدمين الالتزام بأساليب تواصل راقية ومهذبة.
والإنسان عندما يتحدث قد يجد مترادفات كثيرة تؤدي نفس المعنى، لكن قد يكون منها ما هو أعمق في النفس ويترك أثراً طيباً والنبي عليه الصلاة والسلام يدعونا للكلمة الطيبة، يقول عليه الصلاة والسلام: (الكلمةُ الطيبة صدقة) «البخاري»، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24]، وهذا التشبيه يبين أهمية الكلمة الطيبة وأثرها العميق في النفس الإنسانية والمجتمع كله، فيجب على الإنسان تهذيب اللسان وتعويده على الكلام الطيب ويجب ألا تخرج منه كلمة قد تجرح إنسانا أو تؤذيه في لحظة من لحظات حياته، ولقد قال الشافعي لتلميذه المُزَني حين قال: «فلان كذاب، فقال الشافعي: يا أبا إبراهيم، اكس ألفاظك أحسنها لا تقل: فلان كذاب، قل: فلان ليس بشيء»، فكلَّما كان الإنسان أنيقاً في اختيار كلماته، كان أكثر قبولاً ومحبة عند الناس وأعظم تأثيراً في حياتهم.
ومن أهم مقومات ثقافة أناقة الكلمة: الاحترام حيث يجب على الشخص أن يختار كلماته بعناية ليعكس احترامه للآخرين مهما كانت مواقفهم أو آراؤهم، مع اللباقة في الحديث حيث يجب أن تكون الكلمات معبرة بشكل مباشر ومهذب دون تجريح أو انتقاص من الآخرين، ويجب أن تكون الكلمات مفهومة ومباشرة تنقل المعنى المطلوب دون لبس أو تعقيد، ولا بد من أن تكون الكلمة صادقة ومعبرة عن النوايا الحقيقية حيث يتجلى جمال الكلمة في صدقها وشفافيتها، ولعل استخدام العبارات المهذبة والمحببة للنفس يعكس حسن الخلق والتربية ويعزز من ثقافة الحوار البناء.
وأخيراً: تعد أناقة الكلمة فناً إنسانياً راقياً يسهم في بناء جسور التواصل الفعّال والإيجابي بين الأفراد والمجتمعات، وثقافة أناقة الكلمة هي جزء أساسي من الأخلاق والآداب التي يجب أن نسعى جميعاً لتحقيقها في حياتنا اليومية، وهي وسيلة لتحقيق التفاهم والمحبة بين الناس، حقيقة فإن تبني ثقافة أناقة الكلمة في حياتنا يعد خطوة نحو تعزيز العلاقات الإنسانية وبناء مجتمع أكثر ترابطاً وتسامحاً.