عبدالعزيز صالح الصالح
نحن هنا أمام حقيقة تتعلق بدور الحق والباطل أو الصواب أو الخطأ في هذه الحياة، فلا يكفي فكرة (ما) أن تكون حقًا لتكون مؤثرة في الواقع، ولا يؤدي کونها باطلاً إلى انتفاء أثرها فيه... فالحق والباطل مجردان لا تأثير لهما في دنيا الإنسان ما لم يتبينَّ لهذا الإنسان ذلك الحق أو ذلك الباطل، ويعطيه سر تأثيره في الواقع وهو «الفاعلية» فالذي يسعى جاهداً للبحث عن الحق - كما في الحكمة السابقة- إذا وجد الباطل وأخفاه في صدره، أو وجد الضلال ووضعه على رأسه، سيؤثر بهما في الواقع ما دام لديه ذلك السعي وتلك الحركة... أما صاحب الحق الذي لا يتحرك بحقه، فلن يكون له في دنيا الناس أثر، والواقع الذي يحياه العالم اليوم خير دليل على هذه المسألة. فنحن كمسلمين، نلوم الحضارة الغربية على ماديتها المفرطة ونبالغ أحياناً في ذم باطلها، ولكننا نغفل عن سر حضور ذلك الباطل بقوة في الواقع، وسر غياب الحق الذي ورثناه. ولكنه سر الفعالية، إذ لا تلازم بين صواب الفكرة والمنهج وأحقيتهما، وبين تأثيرهما التلقائي، وهذا ما يشير إليه المدعو/ بديع الزمان النورسي بقوله - إذا لم يكن في العلم إذعان القلب هو ما يكسب العلم - زيادة على صفة الحق وفعالية دافعه إلى العمل، فهو لا يمكن أن ينقل المرء من دائرة الاقتناع إلى دائرة الالتزام... ماذا ينقص المسلمين اليوم، ليس إقناعاً بحقائق هم متمسكون بها، ومؤمنون بها كذلك، أما الالتزام بالأمور الواقعية، فهي تفعيل أسس الحق كواقع بعد أن آمنوا به اعتقاداً.
ومن تأملات [بديع الزمان] فهي كلمات تلامس جوانب نفسية متعدِّدة في الإنسان منها:
- دور الأمل في حياة المرء: إن الأمل يبعث الحياة في مشاعر البشر، ويقتل اليأس عندهم.
- السبيل إلى الاستمتاع بالحياة: إن الَّذي يرى جيداً، يفكر جيداً، والًّذي يفكر جيداً يتذوق لذَّة الحياة.
- آثار الشهرة على الإنسان: إن الشهرة تملك الإنسان ما ليس له.
- تأثر الإنسان بمحيطه وإلى الرسائل التي يتلقاها منه: إذا قيل للمجنون أنت حسن أنت حسن، ليس من المستبعد أن يتحسن، وإذا قيل للعاقل أنت رديء أنت رديء، فليس نادراً أن يردأ.
- عوامل المؤثرات الخارجية: إن الخوف والضعف يشجعان التأثيرات الخارجية.
- من أسرار شقاء الإنسان: إن أشد النًّاس شقاء واضطراباً هو الرجل العاطل عن العمل، ذلك لأن العطل هو ابن أخ العدم وشقيق الموت، أما السعي فهو حياة للوجود ويقظة للحياة.
- علاقة الإنسان بمجتمعه: لكل إنسان نافذة يطل منها على المجتمع ليرى ويُرى تسمى مرتبة، فإذا كانت قامة تلك النافذة أكثر ارتفاعاً من قامة قيِّمة المرء، تطاول بالتكبر، وأما إن كانت أخفض من قامته، تواضع وتقوس وتخفض حتى يرى من تلك السوية أو يُرى.
- من خبايا النّفس: إن التماثل سبب للتضاد، والتناسب أساس للتساند، وصغر النفس منبع الكبر، والضعف معدن الغرور، والعجز منشأ الخلاف، والتعفف أستاذ العلم.
- تحليل نفسية الضعيف وسر لجوئه للتخريب: إن وجود الشيء يتوقف على وجود جميع أجزائه أما عدمه فلعدم وجود جزء من أجزائه، لذا نجد الحل الضعيف يميل الى التخريب لإثبات قدرته، فيرتكب الأعمال السلبية بدل الأفعال الإيجابية. وكما قيل فإن معيار العظمة في الإنسان هو الصغر [أي التواضع] أما مقياس الصغر فهو التعاظم [أي التكبر].
والله الموفِّقُ والمعين.